أَحَدُهُمَا) يَتَخَيَّرُ. وَ (الثَّانِي) يَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا وَيُصَلِّي إلَى جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا بَيَّنَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فَيُرَاجِعَهُمَا مَرَّةً أُخْرَى وَيَقُولُ: تَنَاقَضَ عَلَى جَوَابِكُمَا وَتَسَاوَيْتُمَا فَمَا الَّذِي يَلْزَمُنِي؟ فَإِنْ خَيَّرَاهُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ أَوْ الْمِيلِ إلَى أَحَدِهِمَا فَعَلَ، وَإِنْ أَصَرَّا عَلَى الْخِلَافِ: فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِي اعْتِقَادِهِ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ أَرْجَحَ فَوَجْهَانِ: اخْتَارَ الْقَاضِي التَّخْيِيرَ، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ اتِّبَاعَ الْأَفْضَلِ، لِرُجْحَانِ الظَّنِّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْأَعْلَمِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، مَعَ اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ. وَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ هُنَا مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالْإِصْرَارِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا ضَرُورَةَ بِهِ تَدْعُو إلَى اتِّبَاعِ الْأَعْلَمِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْرِيفَهُ إمَّا بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِ الضَّرُورَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُكْمِ اعْتِبَارِ ضِدِّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي أَشَارُوا إلَيْهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَعَدَمُ وُجُوبِ تَقْلِيدِ الْأَعْلَمِ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ. قِيلَ: وَكَأَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مُخَرَّجٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعِلَّتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا وَإِحْدَاهُمَا تَقْتَضِي الْحَظْرَ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: بَلْ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ، أَوْ: كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَمَنْ خَيَّرَ بَيْنَهُمَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ الْأَعْلَمِ قَالَ " الْمُصِيبُ وَاحِدٌ.
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا، فَلَوْ اسْتَفْتَى عَالِمًا فَعَمِلَ بِفَتْوَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute