قَالَ ابْنُ خَيْرَانَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَالنَّزْعَ يَقَعُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَقَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: بَلْ يَجُوزُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي " الْأُمِّ "؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ، وَاَلَّذِي يَقَعُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ هُوَ النَّزْعُ، وَالنَّزْعُ تَرْكُ الْمَأْثَمِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: اُدْخُلْ دَارِي وَلَا تُقِمْ فِيهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ غَرَضَهُ يَظْهَرُ بِمَسْأَلَةٍ أَلْقَاهَا أَبُو هَاشِمٍ، فَحَارَتْ فِيهَا عُقُولُ الْفُقَهَاءِ وَهِيَ مَنْ تَوَسَّطَ جَمْعًا مِنْ الْجَرْحَى، وَجَثَمَ عَلَى صَدْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لَهَلَكَ مَنْ تَحْتَهُ، وَلَوْ انْتَقَلَ لَهَلَكَ آخَرُ، يَعْنِي مَعَ تَسَاوِي الرَّجُلَيْنِ فِي جَمِيعِ الْخِصَالِ. قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَتَحَصَّلْ فِيهَا مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ عَلَى ثَبْتٍ، وَالْوَجْهُ: الْقَطْعُ بِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِ حُكْمِ سَخَطِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ، وَوَجْهُ السُّقُوطِ اسْتِحَالَةُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَاسْتِمْرَارُ الْعِصْيَانِ، لِتَسَبُّبِهِ إلَى مَا لَا يَخْلُصُ مِنْهُ، وَلَوْ فُرِضَ إلْقَاءُ رَجُلٍ عَلَى صَدْرِ آخَرَ، بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْوَاقِعِ اخْتِيَارٌ فَلَا تَكْلِيفَ وَلَا عِصْيَانَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَمْكُثُ، فَإِنَّ الِانْتِقَالَ فِعْلٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَيُحْتَمَلُ التَّخْيِيرُ، وَقَالَ فِي " الْمَنْخُولِ ": الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلَّهِ فِيهِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِمُكْثٍ وَلَا انْتِقَالٍ، وَلَكِنْ إنْ تَعَدَّى فِي الِابْتِدَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute