اسْتَصْحَبَ حُكْمَ الْعُدْوَانِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ فَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ، وَنَفَى الْحُكْمُ حُكْمَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَقَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ أَنْ لَا حُكْمَ، وَهُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ. هَذَا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِيهِ، وَلَمْ أَفْهَمْهُ بَعْدُ، وَقَدْ كَرَّرْتُهُ عَلَيْهِ مِرَارًا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: نَفْيُ الْحُكْمِ حُكْمٌ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرَائِعِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ جَعْلُ نَفْيِ الْحُكْمِ حُكْمًا تَنَاقُضٌ، فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إنْ كَانَ لَا يَعْنِي بِهِ تَخْيِيرَ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَإِنْ عَنَاهُ فَهُوَ إبَاحَةٌ مُحَقَّقَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. قَالَ الْإِبْيَارِيُّ، وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ مَعَ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ: هَذَا لَا أَفْهَمُهُ يَعْنِي لَا لِعَجْزِ السَّامِعِ عَنْ فَهْمِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَفْهُومٍ فِي نَفْسِهِ. اهـ. وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ: أَرَدْت انْتِفَاءَ الْحُكْمِ يَعْنِي الْحُكْمَ الْخَاصَّ وَهِيَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، وَتَكُونُ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ حُكْمًا لِلَّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ مِنْ " النِّهَايَةِ ": لَيْسَ يَبْعُدُ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ عَنْهُ فِيمَا فَعَلَهُ، وَهَذَا حُكْمٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: انْتِقَالُك ابْتِدَاءُ فِعْلٍ مِنْك وَاسْتِقْرَارُك فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ مَا وَقَعَ ضَرُورِيًّا، وَيُؤَيِّدُ أَنَّ الِانْتِقَالَ إنَّمَا يَجِبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إذَا كَانَ مُمْكِنًا، وَإِذَا امْتَنَعَ بِإِيجَابِهِ بِحَالٍ، وَالْمُمْتَنِعُ شَرْعًا كَالْمُمْتَنِعِ حِسًّا وَطَبْعًا. قَالَ: وَهَذَا فِي الدِّمَاءِ لِعِظَمِ مَوْقِعِهَا بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، فَالتَّحْقِيقُ فِيهَا لَيْسَ بِالْبِدْعِ، فَلَوْ وَقَعَ بَيْنَ أَوَانٍ وَلَا بُدَّ مِنْ انْكِسَارِ بَعْضِهَا أَقَامَ أَوْ انْتَقَلَ فَيَتَعَيَّنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute