ذَلِكَ، وَقَالَ: لَمْ تَرِدْ بِهِ اللُّغَةُ، وَأَوَّلُوا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] عَلَى جَعْلِ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبُحَ أَحَدُهُمَا قَبُحَ الْآخَرُ فَيَلْزَمُ اجْتِنَابُهُ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي " أُصُولٍ " عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ الْأَوَّلَ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " مُحْتَجًّا أَنَّ النَّهْيَ فِي الْآيَةِ عَنْ طَاعَتِهِمَا جَمِيعًا. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي الشَّرْعِ النَّهْيُ عَنْ طَاعَتِهِمَا جَمِيعًا لَمْ تُحْمَلْ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَوُقُوعُهُ.
وَعَلَى هَذَا فَاخْتَلَفُوا، فَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْكُلِّ بَلْ الْمُحَرَّمُ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي جَانِبِ الْإِيجَابِ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ بَرْهَانٍ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: الْكُلُّ حَرَامٌ، كَقَوْلِهِمْ فِي جَانِبِ الْإِيجَابِ: الْكُلُّ وَاجِبٌ لَكِنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا الْجَمْعَ هُنَاكَ، وَهُنَا أَوْجَبُوا اجْتِنَابَ الْكُلِّ، فَيَبْقَى النِّزَاعُ هُنَا مَعْنَوِيًّا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْهِنْدِيُّ، إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا يَتْبَعُ الْحُسْنَ الْخَاصَّ عِنْدَهُمْ. فَكَذَا التَّحْرِيمُ يَتْبَعُ الْقُبْحَ الْخَاصَّ، فَإِنْ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْ الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، فَلْيَجِبْ فِعْلُ الْجَمِيعِ فِي صُورَةِ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِي الْإِيجَابَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute