للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: مَأْخَذُ الْخِلَافِ هُنَا: أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ جَعَلُوا مُتَعَلَّقَ التَّحْرِيمِ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ، وَنَحْنُ نُخَالِفُهُمْ، وَنَقُولُ: مُتَعَلِّقُ أَحَدِ الْخُصُوصِيَّيْنِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت: إحْدَى الْحِصَّتَيْنِ الْمُعَيَّنَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا، وَأَمَّا الْقَرَافِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَالنَّهْيِ الْمُخَيَّرِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِمَفْهُومِ أَحَدِهَا وَالْخُصُوصِيَّاتُ مُتَعَلَّقُ التَّخْيِيرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ الْخُصُوصِيَّاتِ كَمَا مَضَى.

وَأَمَّا النَّهْيُ فَإِنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِالْمُشْتَرَكِ لَزِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ الْخُصُوصِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مِنْهُ فَرْدٌ إلَى الْوُجُودِ لَدَخَلَ فِي ضِمْنِهِ الْمُشْتَرَكُ الْمُحَرَّمُ، وَوَقَعَ الْمَحْذُورُ، كَمَا إذَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ يَلْزَمُ تَحْرِيمُ السَّمِينِ مِنْهُ وَالْهَزِيلِ وَالطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا لَاقَى فِي الْمَجْمُوعِ عَيْنًا لَا الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَفْرَادِ، فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ أَنْ لَا يَدْخُلَ مَاهِيَّةُ الْمَجْمُوعِ فِي الْوُجُودِ، وَالْمَاهِيَّةُ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ جُزْءٍ مِنْهَا، وَأَيُّ أُخْتٍ تَرَكَهَا خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَجْمُوعِ فَلَيْسَ كَالْأَمْرِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَاجِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْحَقُّ نَفْيُ التَّحْرِيمِ الْمُخَيَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْأُخْتَيْنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ لَا إحْدَاهُمَا، وَلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ إمَّا أَحَدُهَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّخْيِيرِ، وَفِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ مَأْخَذُهُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ نَوْعٍ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ كُلِّ أَفْرَادِهِ، إذْ فِي كُلِّ فَرْدٍ النَّهْيُ، مِثْلُ " لَا تَزْنِ " فَلَا شَيْءَ مِنْ الزِّنَى بِحَلَالٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>