قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى عِبَارَةِ " إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ ".
نَعَمْ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَوَائِدُ شَرْعِيَّةٌ، فَإِنَّ النَّاوِيَ لِلصَّوْمِ لَا يَقْصِدُ الْإِمْسَاكَ لَيْلًا، وَلَا يَنْوِي بِصَوْمِهِ تَقَرُّبًا، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مِقْدَارُهُ فَيُقَالُ: الْمَجْهُولُ كَيْفَ يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا إمْكَانَ فِيهِ؟ وَالْمُخَالِفُ فِيهِ يَقُولُ: لَا جَرَمَ هَذَا النَّوْعُ وَآخِرُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُمَا لَا يَتَبَيَّنُ فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَتَبْقَى تَسْمِيَةُ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِلَّا فَمَا عَلِمَ الْحَكِيمُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَدَاءُ الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَجْعَلُهُ وَاجِبًا. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ ": بَنَى الْكَعْبِيُّ مَذْهَبَهُ عَلَى أَصْلٍ إذَا سَلِمَ لَهُ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْ مَذْهَبِهِ إلَّا بِإِنْكَارِ هَذَا الْأَصْلِ. انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ: احْتَجَّ الْكَعْبِيُّ بِأَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَهُوَ تَرْكٌ لِمَحْظُورٍ. وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْمُبَاحِ وَاجِبًا مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهِ تَرْكًا لِمَحْظُورٍ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ لِجَوَازِ تَرْكِهِ بِوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، فَلَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْحَرَامِ بَلْ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْمُبَاحُ الَّذِي بِهِ يُتْرَكُ الْحَرَامُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِيهِ إقْرَارٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُبَاحِ وَاجِبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute