للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْآمِدِيُّ: هَذَا الْجَوَابُ صَادِرٌ مِمَّنْ لَمْ يَعْلَمْ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِدُونِ التَّلَبُّسِ بِضِدِّهِ مِنْ أَضْدَادِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَالتَّلَبُّسُ بِضِدٍّ مِنْ أَضْدَادِهِ وَاجِبٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مُضَيَّقًا كَإِنْقَاذِ أَعْمَى مِنْ بِئْرٍ وَاشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهُوَ يَلْتَزِمُهُ. قَالَ: وَلَا مُخَلِّصَ عَنْهُ إلَّا بِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ مِنْ عَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مُقَدِّمَةِ الْوَاجِبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ اسْتَصْعَبَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَزَعَمُوا أَنَّ كَلَامَ الْكَعْبِيِّ صَحِيحٌ حَتَّى قَالَ الْآمِدِيُّ: عَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِي حَلُّهُ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: قَوْلُهُ إنَّ الْحَرَامَ إذَا تُرِكَ بِهِ حَرَامٌ آخَرُ يَكُونُ وَاجِبًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ التَّفْصِيلَ بِالْجِهَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَقْلِ دُونَ الْخَارِجِ، فَلَيْسَ لَنَا فِي الْخَارِجِ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَكُونُ وَاجِبًا حَرَامًا؛ لِاسْتِحَالَةِ تَقَوُّمِ الْمَاهِيَّةِ بِفَصْلَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، وَهُمَا فَصْلُ الْوُجُوبِ وَفَصْلُ الْحُرْمَةِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُقَالُ عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْمُبَاحَ وَاجِبٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْوُجُوبِ وَالْإِبَاحَةِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَدِيهَةِ امْتِنَاعُ تَقْوِيمِ الْمَاهِيَّةِ بِفَصْلَيْنِ أَوْ فُصُولٍ مُتَعَانِدَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ مُمَيِّزَانِ ذَاتِيَّانِ بِخِلَافِ الْمُمَيِّزَيْنِ الْعَرَضِيَّيْنِ الْخَاصَّيْنِ وَاللَّازِمَيْنِ. وَأَيْضًا نَقُولُ: قَوْلُهُ " فِعْلُ " الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ. قُلْنَا: تَرْكُهُ لَهُ بِخُصُوصِهِ أَوْ تَرْكٌ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْفِعْلِ وَاجِبًا، وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>