وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: مَا عَدَا الْفَرَائِضَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: سُنَّةٌ: وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمُسْتَحَبٌّ: وَهُوَ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ مَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَتَطَوُّعَاتٌ: وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ بِخُصُوصِهِ نَقْلٌ بَلْ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً كَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ، وَرَدَّهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " الْمِنْهَاجِ " بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَفْعَالُهُ فِيهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ، وَالِاسْتِسْقَاءُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةُ لَمْ يُنْقَلْ إلَّا مَرَّةً، وَذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ. وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ: أَنَّ النَّفَلَ وَالتَّطَوُّعَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ وَهُمَا مَا سِوَى الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، وَالْمُسْتَحَبِّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ أَنْوَاعٌ لَهَا.
وَفِي وَجْهٍ رَابِعٍ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ: السُّنَّةُ مَا اُسْتُحِبَّ فِعْلُهُ وَكُرِهَ تَرْكُهُ، وَالتَّطَوُّعُ مَا اُسْتُحِبَّ فِعْلُهُ وَلَمْ يُكْرَهْ تَرْكُهُ. وَفِي وَجْهٍ خَامِسٍ: حَكَاهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ " الْمَطْلَبِ ": السُّنَّةُ مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمُسْتَحَبُّ مَا أَمَرَ بِهِ سَوَاءٌ فَعَلَهُ أَوْ لَا، أَوْ فَعَلَهُ وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، فَالسُّنَّةُ إذًا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْإِدَامَةِ، وَقِيلَ: السُّنَّةُ مَا تُرَتَّبُ كَالرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ، وَالنَّفَلُ وَالنَّدْبُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ "، وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ": النَّفَلُ قَرِيبٌ مِنْ النَّدْبِ إلَّا أَنَّهُ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا ارْتَفَعَتْ رُتْبَتُهُ فِي الْأَمْرِ وَبَالَغَ الشَّرْعُ فِي التَّخْصِيصِ مِنْهُ يُسَمَّى سُنَّةً، وَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ تَطَوُّعًا وَنَافِلَةً، وَمَا تَوَسَّطَ بَيْنَ هَذَيْنِ فَضِيلَةً وَمُرَغَّبًا فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute