للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْت: وَالصَّحِيحُ: أَنَّ السَّكْرَانَ الْمُعْتَدِيَ بِسُكْرِهِ مُكَلَّفٌ مَأْثُومٌ.

هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ " فَقَالَ: وَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ نَبِيذًا فَأَسْكَرَهُ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ كُلُّهَا وَالْفَرَائِضُ، وَلَا تُسْقِطُ الْمَعْصِيَةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْمَعْصِيَةُ بِالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ عَنْهُ فَرْضًا وَلَا طَلَاقًا.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَذَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ، وَالْمَرِيضُ وَالْمَجْنُونُ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ. قِيلَ: الْمَرِيضُ مَأْجُورٌ وَمُكَفَّرٌ عَنْهُ بِالْمَرَضِ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ.

وَهَذَا آثِمٌ مَضْرُوبٌ عَلَى السُّكْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ، فَكَيْفَ يُقَاسُ مَنْ عَلَيْهِ الْعِقَابُ بِمَنْ لَهُ الثَّوَابُ؟ وَالصَّلَاةُ مَرْفُوعَةٌ عَنْ مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ وَلَا تُرْفَعُ عَنْ السَّكْرَانِ، وَكَذَلِكَ الْفَرَائِضُ مِنْ حَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ.

وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ وَنُسِبَ مُقَابِلُهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِهَذَا صَحَّحَ الشَّافِعِيُّ تَصَرُّفَاتِهِ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ فِيمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِهِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» . قَالَ: وَالسَّكْرَانُ لَيْسَ فِي مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ". الْمَرِيضُ مَأْجُورٌ مُكَفَّرٌ عَنْهُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَهَذَا آثِمٌ مَضْرُوبٌ عَلَى السُّكْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ. اهـ.

قِيلَ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مَضْرُوبٌ عَلَى السُّكْرِ ": فِيهِ تَجَوُّزٌ إنَّمَا هُوَ عَلَى الشُّرْبِ سَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ، لَكِنَّهُ يُرِيدُ عَلَى سَبَبِ السُّكْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>