وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَكْلِيفِهِ مَعَ إخْرَاجِ الْأُصُولِيِّينَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ مَنْ لَا يَفْهَمُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: بَلْ السَّكْرَانُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ النَّائِمِ الَّذِي يُمْكِنُهُ تَنْبِيهُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ قَوْلًا ثَالِثًا مُفَصِّلًا بَيْنَ السَّكْرَانِ وَغَيْرِهِ لِلتَّغْلِيظِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ، أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى السَّكْرَانِ الَّذِي يَنْتَقِلُ عَنْ رُتْبَةِ التَّمْيِيزِ دُونَ الطَّافِحِ الْمُغْشَى عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْغَافِلِ مُطْلَقًا، فَقَدْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُلُّ عَنْ ذَلِكَ. قُلْت: وَبِالثَّانِي صَرَّحَ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَالْأَقْرَبُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّكْلِيفَ فِي حَقِّهِ مُسْتَصْحَبٌ لَا وَاقِعٌ وُقُوعًا مُبْتَدَأً كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْخَارِجِ مِنْ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ: إنَّهُ مُرْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ.
الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ اخْتَلَفُوا فِي الْجَوَابِ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْتِزَامِهِ بِقَضَاءِ الْعِبَادَاتِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ، فَقِيلَ: لَا دَلَالَةَ دَالَّةٌ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي حَقِّهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ.
وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَمَّا كَانَ سُكْرُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute