للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَعْوَى السُّكْرِ لِفِسْقِهِ أَلْزَمْنَاهُ حُكْمَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَطَرَدْنَا مَا لَزِمَهُ فِي حَالِ الْيَقِظَةِ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إلْزَامُنَا لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ وَلَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ.

وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَلِكَ وَقَالَ: هَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ لَا يَقْتَضِي قَتْلًا وَلَا إيقَاعَ طَلَاقٍ وَلَا إلْزَامَ حَدٍّ، وَكَوْنُ الزِّنَا جُعِلَ سَبَبًا لِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ. قُلْت: الطَّلَاقُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْخِطَابَانِ، لِأَنَّهُ إمَّا مُبَاحٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَيَكُونُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ هُوَ مُحَرَّمٌ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ سَبَبًا لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ، وَثُبُوتُ الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ خِطَابُ وَضْعٍ فَقَطْ لَا تَكْلِيفٌ. حَقُّهُ كَمَا فِي الْإِرْثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ": اُخْتُلِفَ فِي السَّكْرَانِ، فَقِيلَ: لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، لِزَوَالِ عَقْلِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ طَلَاقُهُ، لِأَنَّهُ فِي الشَّرِيعَةِ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ فِي حَالِ سُكْرِهِ إذَا كَانَ زَوَالُ عَقْلِهِ بِأَمْرٍ عَصَى اللَّهَ فِيهِ، فَعُوقِبَ بِأَنْ أُلْحِقَ بِالْمُكَلَّفِينَ رَدْعًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ.

قَالَ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَائِزٌ مُحْتَمَلٌ لِوُرُودِ الشَّرِيعَةِ بِهِمَا. اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْمُنْتَهِي إلَى مَا لَا يَعْقِلُ أَلْبَتَّةَ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ شَرْحِ الْمِفْتَاحِ "، فَقَالَ: قُلْت: وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فِي تَصَرُّفِ السَّكْرَانِ: إنَّ السَّكْرَانَ عَلَى نَوْعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَعْقِلُ مَا يَقُولُ: فَهَذَا مُخَاطَبٌ وَتَصِحُّ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>