للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الْمُكْرَهَ مُكَلَّفٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَنَقَلُوا الْخِلَافَ فِيهِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ "، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ "، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ "، وَبَنَاهُ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي وُجُوبِ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ، وَكَيْفَ يُثَابُ عَلَى مَا هُوَ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ إذْ لَا يُجِبْ دَاعِي الشَّرْعِ؟ وَإِنَّمَا يُجِيبُ دَاعِيَ الْإِكْرَاهِ؟ وَأَلْحَقُوا هَذَا بِالْأَفْعَالِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا عَادَةً كَحُصُولِ الشِّبَعِ عَنْ الْأَكْلِ وَالرِّيِّ عَنْ الشُّرْبِ، فَكَمَا يَسْتَحِيلُ التَّكْلِيفُ بِالْوَاجِبِ عَقْلًا وَعَادَةً، فَكَذَا يَسْتَحِيلُ بِفِعْلِ الْمُكْرَهِ. [الْمُكْرَهُ يَصِحُّ تَكْلِيفُهُ لِفَهْمِ الْخِطَابِ] وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا: أَنَّ الْمُكْرَهَ يَصِحُّ تَكْلِيفُهُ لِفَهْمِ الْخِطَابِ، وَأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا مَا فِي الْإِقْدَامِ أَوْ الِانْكِفَافِ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي تَكْلِيفِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُتَقَرِّبًا فَيَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ وَهُوَ غَيْرُ الْكَلَامِ فِي تَكْلِيفِهِ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَنَعْنِي بِالْمُكْرَهِ مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِقْدَامِ وَالْإِحْجَامِ فَيُحْمَلُ مَثَلًا عَلَى الصَّلَاةِ بِالْإِرْجَافِ وَالْخَوْفِ وَقَتْلِ السَّيْفِ، وَاَلَّذِي بِهِ رَعْشَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُكْرَهًا فِي رِعْدَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>