وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَصِحُّ تَكْلِيفُ الْمُكْرَهِ مَعَ وِفَاقِهِمْ عَلَى اقْتِدَارِهِ، وَزَادُوا عَلَيْنَا: فَقَالُوا: الْقُدْرَةُ تَتَعَلَّقُ بِالضِّدَّيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مَعْنَى لِتَفْصِيلِ الْإِمَامِ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعِهِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَغَيْرِهِ، وَلَا لِمَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَكَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ ": قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ إلَّا مَعَ تَصَوُّرِ اقْتِدَارِ الْمُكْرَهِ، فَمَنْ بِهِ رَعْشَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُكْرَهًا، وَإِنَّمَا الْمُكْرَهُ الْمُخْتَارُ لِتَحْرِيكِهَا، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي تَكْلِيفِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اقْتِدَارِهِ وَاخْتِبَارِهِ خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ، وَبَالَغُوا حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْقُدْرَةَ تَتَعَلَّقُ بِالضِّدَّيْنِ، وَالْمُكْرَهُ الْقَادِرُ عَلَى الْفِعْلِ قَادِرٌ عَلَى ضِدِّهِ.
وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: إذَا قَدَرَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ تَتَعَلَّقْ قُدْرَتُهُ بِتَرْكِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى تَوَجُّهِ النَّهْيِ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ عَنْ الْقَتْلِ، وَهَذَا عَيْنُ التَّكْلِيفِ. انْتَهَى.
وَهَذَا يُعْلَمُ جَوَابُهُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ تَأْثِيمَ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُكْرَهًا.
وَمَا نَقَلُوهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ قَدْ نَازَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، فَقَالَ: نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُنَافِي التَّكْلِيفَ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبًا لِأَحَدٍ وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْإِلْجَاءَ الَّذِي يُنَافِي اخْتِيَارَ الْعَبْدِ يُنَافِي التَّكْلِيفَ كَالْإِيمَانِ حَالَةَ الْيَأْسِ.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ " الْمُكْرَهُ عِنْدَنَا مُخَاطَبٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَنُقِلَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute