للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِمَا عَدَا مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَفْعَالِ.

وَنُقِلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَهَذَا خَطَأٌ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ بَلْ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْخِطَابِ مِنْ الْمُخْتَارِ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ تَحْمِيلُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ، وَحَالَةُ الْمُكْرَهِ أَدْخَلُ فِي أَبْوَابِ التَّكْلِيفِ وَالْمَشَاقِّ مِنْ حَالَةِ الْمُخْتَارِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ الْفِعْلِ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَوَاجِبُ الِانْقِيَادِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِسْلَامُ، وَمَوْعُودٌ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ. إلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَأَوْا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الْمُلْجَأَ لَيْسَ بِمُخَاطَبٍ، فَظَنُّوا أَنَّ الْمُلْجَأَ وَالْمُكْرَهَ وَاحِدٌ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُلْجَأُ هُوَ الَّذِي لَا يُخَاطَبُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ يَكُونُ مَدْفُوعًا وَمَحْمُولًا بِأَبْلَغِ جِهَاتِ الْحَمْلِ. كَمَنْ شُدَّتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ رِبَاطًا وَأُلْقَى عَلَى عُنُقِ إنْسَانٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْدِفَاعُ، فَهَذَا لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ فَلَهُ قَصْدٌ وَقُدْرَةٌ فَكَانَ مُكَلَّفًا.

وَلِهَذَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْقُدْرَةُ تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، لِأَنَّهَا لَوْ صَلَحَتْ لِفِعْلٍ دُونَ فِعْلٍ صَارَ الشَّخْصُ مَدْفُوعًا إلَيْهِ وَمُلْجَأً، وَلَأَمْكَنَهُ الِامْتِنَاعُ خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عِنْدَهُمْ لَا تَصْلُحُ لِلضِّدَّيْنِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا: الْإِيمَانُ حَالَةَ الْيَأْسِ لَا يَنْفَعُ وَهُوَ إيمَانُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ النَّافِعَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ: أَمَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَتَصِيرُ الْمَعَارِفُ ضَرُورِيَّةً فَلَا يَنْفَعُ، لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ أُلْجِئُوا. اهـ.

وَمَا قَالَهُ فِي الْمُلْجَأِ: إنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُونَ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَلْ الْأَظْهَرُ التَّفْصِيلُ.

وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ ": إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَجَرَى عَلَيْهِ أَتْبَاعُهُ، وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>