التَّنْبِيهُ] الثَّانِي [الْأَمْرُ الْمُقَيَّدُ بِالشَّرْطِ لَهُ أَحْوَالٌ]
قَالَ الْعَبْدَرِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْتَصْفَى ": الْأَمْرُ الْمُقَيَّدُ بِالشَّرْطِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مَعْلُومًا انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ جَمِيعًا، فَهَذَا مَمْنُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا عِنْدَهُمَا فَجَائِرٌ بِالِاتِّفَاقِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْآمِرِ مَجْهُولًا عِنْدَ الْمَأْمُورِ. فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ جَوَّزَهُ الْأَشْعَرِيَّةُ وَمَنَعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَهُمْ الْمُصِيبُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي فَرَضُوا فِيهِ الْكَلَامَ لَيْسَ هُوَ صِيغَةَ اللَّفْظِ، إنَّمَا فَرَضُوا الْكَلَامَ فِي الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ بِنَفْسِ الْآمِرِ طَلَبُ مَا يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ، بَلْ طَلَبُ مَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ لَا يَقَعَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْمُمْكِنِ، فَالْمَأْمُورُ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا عِنْدَ تَوَجُّهِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بَلْ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَأَيْضًا فَإِنْ عَلِمَ الْمَأْمُورُ بِكَوْنِهِ مَأْمُورًا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَمْرُ وَاقِعًا لَا مَحَالَةَ فَبَطَلَ كَوْنُهُ مُمْكِنًا وَصَارَ وَاجِبًا، وَهَذَا مُحَالٌ فَنَقِيضُهُ مُحَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ مَأْمُورًا عِنْدَ تَوَجُّهِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بَلْ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. انْتَهَى. وَفِيمَا ذَكَرَهُ نِزَاعٌ.
وَفَاتَهُ قِسْمٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ عَالِمًا بِالِانْتِفَاءِ دُونَ الْآمِرِ، فَلَا يَصِحُّ وِفَاقًا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَأْمُورِ وَهُوَ الِامْتِثَالُ، وَعَدَمُ صِحَّةِ طَلَبِهِ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute