للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَخْتَلِفُ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْعِلْمِ فَإِنَّهُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَعْلُومَاتِ.

وَلَعَلَّ الْأَشَاعِرَةَ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى انْحِصَارِ كَلَامِ اللَّهِ فِي الْخَبَرِ. لِهَذَا الْغَرَضِ وَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ اخْتَلَفُوا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ. فَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ قَبْلَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ أَمْرُ إنْذَارٍ وَإِعْلَامٍ، وَلَيْسَ بِأَمْرِ إيجَابٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّهُ أَمْرُ إيجَابٍ عَلَى شَرْطِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ مَا يَتَحَاشَى مِنْ الْإِيجَابِ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْإِعْدَامِ، وَكَمَا يَتَعَذَّرُ إلْزَامُ الْمَعْدُومِ شَيْئًا يَتَعَذَّرُ إعْلَامُهُ.

وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا تَحْقِيقَ لَهُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَوْجُودٍ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا، ثُمَّ يَتَّبِعُهُ الْمَعْدُومُونَ عَلَى شَرْطِ الْوُجُودِ وَسُقُوطُ هَذَا وَاضِحٌ.

قُلْت: وَهُوَ يُضَاهِي قَوْلَ الْفُقَهَاءِ: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمَعْدُومِ تَبَعًا لِمَوْجُودٍ كَوَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي.

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَأَنْكَرُوا خِطَابَ الْمَعْدُومِ وَتَوَصَّلُوا بِزَعْمِهِمْ إلَى إبْطَالِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَعَلَى، هَذَا فَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ الْوَارِدَةِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، تَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِينَ، وَأَنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ تَنَاوَلَهُ بِدَلِيلٍ.

وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ فِي " الْهِدَايَةِ " عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ اخْتِيَارَ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومِينَ وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِينَ.

قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ إذَا احْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَمْرٍ أَوْ خَبَرٍ يَلْزَمُنَا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي كَانَ يَلْزَمُنَا لَوْ كُنَّا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَوْجُودِينَ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ إنْ قُلْنَا الْأَمْرُ يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَنَاوَلُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى قِيَاسٍ أَوْ دَلِيلٍ آخَرَ لِإِلْحَاقِ الْمَوْجُودِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالْمَوْجُودِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>