للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْدُومِ بِأَنْ يُوجَدَ الْفِعْلُ فِي حَالِ عَدَمِهِ بَلْ تَعَلَّقَ التَّكْلِيفُ بِهِ عَلَى صِفَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُوقِعُهُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ وَاسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَدَمَ التَّنْجِيزِ بَلْ التَّنْجِيزُ وَاقِعٌ، وَهَذَا مَعْنَاهُ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنُهُ مَأْمُورًا فِي الْعَدَمِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْعَدَمِ فَقَدْ زَلَّ، فَإِنَّ إتْيَانَهُ بِهِ فِي الْعَدَمِ كَمَا يَسْتَدْعِي الْإِمْكَانَ كَذَلِكَ يَسْتَدْعِي أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالْأَمْرُ لَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى صِفَةِ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ الَّتِي فِيهَا الْوُجُوبُ.

وَأَقْرَبُ مِثَالٍ لِذَلِكَ: الْوَكَالَةُ فَإِنَّ تَعْلِيقَهَا بَاطِلٌ عَلَى الذَّهَبِ، وَلَوْ نَجَّزَ الْوَكَالَةَ وَعَلَّقَ التَّصَرُّفَ عَلَى شَرْطٍ جَازَ، وَهُوَ الْآنَ وَكِيلُ وَكَالَةٍ مُنَجَّزَةٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا عَلَى مُقْتَضَاهَا، وَهُوَ وِجْدَانُ الشَّرْطِ.

الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتْ: إنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ آمِرٌ مِنْ غَيْرِ مَأْمُورٍ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَمَرَّ وَبَقِيَ صَارَ الْمُكَلَّفُونَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي الْوُجُودِ مَأْمُورِينَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ، وَضَرَبُوا لِذَلِكَ مِثَالًا: وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَرُبَ مَوْتُهُ قَبْلَ وِلَادَةِ وَلَدِهِ، فَرُبَّمَا يَقُولُ لِبَعْضِ النَّاسِ: إذَا أَدْرَكْت وَلَدِي، فَقُلْ لَهُ: إنَّ أَبَاك كَانَ يَأْمُرُك بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ.

فَهَاهُنَا قَدْ وُجِدَ الْآمِرُ، وَالْمَأْمُورُ مَعْدُومٌ حَتَّى لَوْ بَقِيَ ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَى أَوَانِ بُلُوغِ ذَلِكَ الصَّبِيِّ لَصَارَ مَأْمُورًا بِهِ.

قَالَ صَاحِبُ " التَّنْقِيحَاتِ ": وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَيْسَ هُنَاكَ مَأْمُورٌ وَلَا مَنْ يَنْهَى إلَيْهِ.

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَصْلِ الْأَشَاعِرَةِ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ الْخَبَرُ، وَالْخَبَرُ فِي الْأَزَلِ وَاحِدٌ لَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ إضَافَتُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>