الصِّفَاتِ، وَإِنْكَارُ بَعْضِهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ يَجُرُّ إلَى مَا سِوَاهُ. اهـ. وَقَدْ عَظُمَ النَّكِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَشْعَرِيِّ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى انْكِفَافِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْقُدَمَاءِ، فَقَالُوا: كَلَامُ اللَّهِ فِي الْأَزَلِ لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا وَوَعْدًا أَوْ وَعِيدًا، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الصِّفَاتُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِكَلَامٍ خَارِجٍ عَنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ، وَهُوَ يَسْتَحِيلُ، وَلَئِنْ جَازَ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْأَزَلِيَّةَ لَيْسَتْ كَلَامًا أَزَلًا، ثُمَّ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهَا فِيمَا لَا يَزَالُ؟
وَسَهَّلَ الطُّرْطُوشِيُّ أَمْرَ هَذَا الْخِلَافِ، فَقَالَ: لَيْسَ خِلَافًا فِي مَعْنًى، وَإِنَّمَا خِلَافٌ عَائِدٌ إلَى لُغَةٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُودِ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ، وَامْتِنَاعُ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ آمِرًا نَاهِيًا وَتَسْمِيَةِ كَلَامِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ أَجْلِهِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَذَا الِاقْتِضَاءَ قَائِمٌ بِذَاتِ الْبَارِئِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا أُطْلِقُ عَلَيْهِ آمِرًا وَلَا عَلَى كَلَامِهِ أَمْرًا حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِمُتَعَلَّقِهِ، فَحِينَئِذٍ أُسَمِّيهِ آمِرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَجَدَّدَ فِي الْقَدِيمِ شَيْءٌ وَهَذَا قَرِيبٌ.
وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ: الْأَقْوَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ آمِرٌ قَبْلَ التَّعْلِيقِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَعَالَى قَادِرٌ قَبْلَ وُجُودِ الْمَقْدُورِ. اهـ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يُرِدْ تَنْجِيزَ التَّكْلِيفِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ قِيَامَ التَّعَلُّقِ الْعَقْلِيِّ، وَهُوَ قِيَامُ الطَّلَبِ بِالذَّاتِ مِنْ الْمَعْدُومِ إذَا وُجِدَ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَنَازَعَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ إنَّمَا أَرَادَ التَّنْجِيزَ، وَالتَّعَلُّقُ عِنْدَهُ قَدِيمٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّنْجِيزِ تَكْلِيفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute