للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَدَلَّ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَعْدُومَ يَأْمُرُ بِهِ. تَقُولُ بِهِ: زُرْنِي غَدًا، وَبِأَنَّ الْخَلْقَ إلَى يَوْمِنَا لَمْ يَزَالُوا مَأْمُورِينَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَصْفُو بَعْدَ تَصَوُّرِ أَحْكَامِ التَّعَلُّقَاتِ وَمُتَعَلِّقَاتهَا، وَصَرْفِ التَّعْيِينِ إلَى الْمُتَعَلِّقَاتِ لَا الْمُتَعَلِّقِ، وَهُوَ مِنْ الْغَوَامِضِ.

وَأَهْلُ الْحَقِّ أَثْبَتُوا هَذِهِ التَّعَلُّقَاتِ أَزَلِيَّةً، لِأَنَّ نَفْيَهَا عَنْ الْبَارِي سُبْحَانَهُ فِي الْأَزَلِ مُحَالٌ.

وَقَالَ الْمُقْتَرَحُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْبُرْهَانِ ": التَّقْدِيرُ هَاهُنَا لَيْسَ عَائِدًا إلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ حَادِثٌ وَيَسْتَحِيلُ قِيَامُ الْحَادِثِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ إلَى الْمُكَلَّفِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدِّرُ فِي نَفْسِهِ احْتِمَالُ وُجُودِ هَذَا الْمَعْدُومِ، وَاحْتِمَالُ أَنْ لَا يُوجَدَ، فَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ يَكُونُ مَأْمُورًا قَالَ: وَإِنْ صَدَّقْنَا وَحَقَّقْنَا قُلْنَا: الْأَمْرُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَعْدُومِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ الْمُتَوَقَّعِ كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ الْأَزَلِيَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ الَّذِي سَيَكُونُ، كَذَلِكَ الْمَطْلُوبُ الْأَزَلِيُّ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّكْلِيفِ الَّذِي سَيَكُونُ، فَالْأَمْرُ إذَنْ يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ، أَوْ يَتَعَلَّقُ الطَّلَبُ بِالْمَوْجُودِ بِالْمَعْدُومِ، فَإِنَّ نَفْيَ التَّنْجِيزِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ.

تَنْبِيهَانِ [التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ

هَذَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَأْمُورَ مَتَى يَصِيرُ مَأْمُورًا؟ هَلْ مِنْ الْأَزَلِ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِ وَشُرُوطٍ أُخْرَى؟ وَإِنْ كَانَ أَنْشَأَ الْأَمْرَ مُتَقَدِّمًا يُضَاهِيهِ الْبَحْثُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>