أَنْ يُصَدِّقَهُ، وَيُؤْمِنَ بِهِ فِي جَمِيعِ مَا يُخْبِرُ عَنْهُ، وَمِمَّا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ بِأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ، وَذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ اهـ.
وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ فِي " الْإِحْكَامِ " وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ الْوَقْفَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي " الشَّامِلِ "، وَمِنْهُمْ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَتْبَاعُهُ كَابْنِ الْقُشَيْرِيّ وَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ بَرْهَانٍ: وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِ بَلْ التَّكَالِيفُ بِأَسْرِهَا عِنْدَهُ لِغَيْرِ الْمُمْكِنِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لَا يَقَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْعَبْدُ إذَنْ مُخَاطَبٌ بِمَا لَيْسَ إلَيْهِ إيقَاعُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا مَعْنًى لِلتَّمْوِيهِ بِالْكَسْبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عِنْدَهُ مَعَ الْفِعْلِ وَالتَّكْلِيفُ بِهِ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَهُوَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْفِعْلِ حَالَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ حَالَ الْخِطَابِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الْقُدْرَةَ لَمْ تُقَارِنْ الْفِعْلَ، وَإِنْ قَارَنَتْ الضِّدَّ.
قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَهُمَا ضَعِيفَانِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ عَلَى رَأْيِ الشَّيْخِ لَا عَلَى رَأْيِهِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيمًا أَنَّ بَعْضَ التَّكَالِيفِ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ لَا كُلِّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute