وَهُوَ مَقْصُودُ الْمَسَائِلِ وَنَقِيضُ مَقْصُودِهِ، بَلْ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ عِنْدَ وُرُودِ الْخِطَابِ لَيْسَ ضِدًّا لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ ضِدَّهُ الْوُجُودِيُّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ التَّلَبُّسَ بِهِ تَرْكُهُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي أَمَرَ بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ فِيهِ، وَهُوَ فِي زَمَانِ وُرُودِ الْخِطَابِ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِهِ، لِأَنَّ زَمَانَ الْفِعْلِ هُوَ الزَّمَانُ الثَّانِي إنْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ. سَلَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ ضِدُّهُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَكِنَّهُ حَاصِلٌ عِنْدَ وُرُودِ الْخِطَابِ، وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ مَا هُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ، وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ.
ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الشَّيْخِ، لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْفِعْلِ لَكِنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ قَبْلَهُ عِنْدَهُ عَلَى مَا أَشْعَرَ بِهِ نَقَلَ الْإِمَامُ فَإِنْ صَحَّ هَذَا مِنْ مَذْهَبِهِ كَانَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَكْلِيفُهُ قَبْلَ وُقُوعِ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ تُمَكِّنُ مِنْ إيجَادِ الْفِعْلِ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى فَسَادٍ سَبَقَهَا الْفِعْلُ، أَنَّهَا عَرَضٌ، فَلَوْ بَقِيَتْ لَزِمَ بَقَاءُ الْأَعْرَاضِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. ثُمَّ الشَّرْعُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ اسْتِطَاعَةِ الْفِعْلِ بِأَنَّا لَا نَحْكُمُ بِهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَمْ يَغْلَطْ الْقَوْمُ فِي نَقْلِ مَذْهَبِ الرَّجُلِ، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْأَشْعَرِيَّ أَجَازَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ أَيْ فِي الْحَالِ لَا فِي الِاسْتِقْبَالِ وَمَا يَكُونُ إيقَاعُهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُحَالِ، وَلَوْ قُيِّدَ إطْلَاقُهُ بِهَذَا لَمْ يَتَعَقَّبْ عَلَيْهِمْ نَقْلُهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَخْذَ مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ، لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَلَامُ الْأَشْعَرِيِّ مُصَرِّحٌ بِوُقُوعِ الْمُمْتَنِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute