مَأْمُورٌ بِهِ أَنَّهُ طَاعَةٌ، فَتَعَلُّقُ الْأَمْرِ قَبْلَ الْحُدُوثِ يَتَضَمَّنُ اقْتِضَاءً وَتَرْغِيبًا، وَفِي حَالِ الْحُدُوثِ يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ طَاعَةً، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ، فَلَا خِلَافَ إذَنْ. هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْقُشَيْرِيّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْقُدْرَةَ مَعَ الْفِعْلِ أَوْ قَبْلَهُ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْقُدْرَةِ سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ وَالصِّحَّةِ فَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْفِعْلِ قَطْعًا، فَإِذَا انْضَمَّتْ الدَّاعِيَةُ إلَيْهِ صَارَتْ تِلْكَ الْقُدْرَةُ مَعَ هَذِهِ عِلَّةً لِلْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَجِبُ وُقُوعُهُ مَعَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ، لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ لَا يَتَخَلَّفُ عِنْدَ أَثَرِهِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَجْمُوعَ مَا لَا يَتِمُّ الْفِعْلُ إلَّا بِهِ فَلَيْسَتْ سَابِقَةً عَلَى الْفِعْلِ لِفِقْدَانِ الدَّاعِيَةِ إذْ ذَاكَ.
[التَّنْبِيهُ] الثَّالِثُ [الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ]
قِيلَ: إنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ، وَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ حُكْمٌ قَطْعًا، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ مَأْمُورٌ بِالْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ إلَّا بِالِامْتِثَالِ، وَلَا يَحْصُلُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ.
وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْفِعْلِ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِالْفَرَاغِ عَنْهُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالذَّاتِ يَتَعَلَّقُ بِمَجْمُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، وَتَعَلُّقُهُ بِالْأَجْزَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَرَضِ، فَمَا لَمْ يَأْتِ بِمَجْمُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا، وَمَا لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ.
[التَّنْبِيهُ] الرَّابِعُ
قَوْلُنَا: إنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَصِيرُ أَمْرًا حَالَ الْحُدُوثِ وَلَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُنَا: لَا حُكْمَ لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. كَمَا قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ "،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute