للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَالْأَوَّلُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: الْإِعْجَازُ لِخُرُوجِهِ عَنْ سَائِرِ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ فَزَادَهُمْ أُسْلُوبًا لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي لُغَتِهِمْ، لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ فِي الرَّجَزِ، وَالشِّعْرِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالْخَطِّ، وَمَنْظُومِ الْكَلَامِ وَمَنْثُورِهِ، وَالْقُرْآنُ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ، فَجَرَى مَجْرَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فِي زَمَنِ عِيسَى، لِأَنَّ فِي وَقْتِهِ كَانَ الْأَطِبَّاءُ يَدَّعُونَ تَصْحِيحَ الْمَرْضَى، وَلَمْ يَكُنْ دَعْوَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فَزَادَ عَلَيْهِمْ إحْيَاءُ الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ عَصَا مُوسَى.

وَقِيلَ: الْإِعْجَازُ فِي بَلَاغَتِهِ وَجَزَالَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ الْمُجَاوِزَةِ لِحُدُودِ جَزَالَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ.

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْأَسَالِيبِ ": وَالْمُخْتَارُ: أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي جَزَالَتِهِ مَعَ أُسْلُوبِهِ الْخَارِجِ عَنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالْجَزَالَةُ وَالْأُسْلُوبُ مَعًا مُتَعَلِّقَانِ بِالْأَلْفَاظِ، وَالْمَعْنَى فِي حُكْمِ الشَّائِعِ لِلَّفْظِ، وَاللَّفْظُ هُوَ الْمَتْبُوعُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا تَقُومُ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ مَقَامَهُ فِي إقَامَةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " نَحْوَهُ.

وَحُكِيَ عَنْ الْجَاحِظِ أَنَّ الْإِعْجَازَ مَنْعُ الْخَلْقِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ الصِّرْفَةِ الْمَعْزُوِّ إلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُعْتَزِلَةِ. فَإِنَّ قَوْلَ الصَّارِفَةِ مَعْنَاهُ: أَنَّ قُوَاهُمْ كَانَتْ مَجْبُولَةً عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ سَلَبَهُمْ اللَّهُ تِلْكَ الْقُوَّةَ، فَصَارُوا عَاجِزِينَ، وَالْإِعْجَازُ حَاصِلٌ بِهَذَا حُصُولَ ابْتِدَاءٍ، لِأَنَّ سَلْبَ الْإِنْسَانِ قُدْرَتَهُ أَعْجَزُ لَهُ وَأَبْلَغُ مِنْ تَحَدِّيهِ بِمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: الْإِعْجَازُ فِيهِ غَرَابَةُ النَّظْمِ مَعَ الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ وَإِتْيَانِهِ بِقَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.

مَسْأَلَةٌ

وَهَلْ الْإِعْجَازُ فِي النَّظْمِ وَحْدَهُ دُونَ الْإِعْرَابِ أَوْ فِي النَّظْمِ وَالْإِعْرَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>