وَالتَّفْسِيرُ تَعْرِيفُ السَّامِعِ بِمَا فَهِمَ الْمُتَرْجِمُ، وَهَذَا فَرْقٌ حَسَنٌ، وَمَا أَحَالَهُ الْقَفَّالُ مِنْ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ عَنْ كِتَابِ " فِقْهِ الْعَرَبِيَّةِ " أَيْضًا.
فَقَالَ: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَرْجِمِينَ عَلَى أَنْ يَنْقُلَ الْقُرْآنَ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَلْسِنَةِ كَمَا نُقِلَ الْإِنْجِيلُ عَنْ السُّرْيَانِيَّةِ إلَى الْحَبَشِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ، وَتُرْجِمَتْ التَّوْرَاةُ، وَالزَّبُورُ وَسَائِرُ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ الْعَجَمَ لَمْ تَتَّسِعْ فِي الْمَجَازِ اتِّسَاعَ الْعَرَبِ. أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ أَرَدْت أَنْ تَنْقُلَ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: ٥٨] لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْتِيَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُؤَدِّيَةً عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي أُودِعَتْ فِيهِ حَتَّى تَبْسُطَ مَجْمُوعَهَا، وَتَفُكَّ مَنْظُومَهَا، وَتُظْهِرَ مَسْتُورَهَا فَتَقُولُ: إنْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَوْمٍ هُدْنَةٌ وَعَهْدٌ فَخِفْتَ مِنْهُمْ خِيَانَةً وَنَقْضًا، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ قَدْ نَقَضْتَ مَا شَرَطْتَهُ لَهُمْ، وَآذِنْهُمْ بِالْحَرْبِ لِتَكُونَ أَنْتَ وَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِالنَّقْضِ عَلَى اسْتِوَاءٍ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: ١١] اهـ.
وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ الْمَحْكِيَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ قِرَاءَتِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَصَوُّرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ. حَكَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ ". وَاَلَّذِينَ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالُوا: أَرَادَ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اُمْتُنِعَ، وَحُكِمَ بِزَنْدَقَةِ فَاعِلِهِ.
وَجَعَلَ الْقَفَّالُ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي " الْأَسْرَارِ " مَأْخَذَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ الْمَنْعَ مَخْصُوصٌ بِالتِّلَاوَةِ، فَأَمَّا مَا تَرْجَمَتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute