تَكْشِفُ عَنْهُ، وَالْمُتَشَابِهُ: مَا لَا يُعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهُ أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى طَرِيقَةِ السُّنَّةِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ التَّامُّ عَلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] وَأَمَّا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " فَقَالَ: هُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُسَاعِدُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَرُبَّ كَلَامٍ يُفْهَمُ مَعْنَاهُ وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ. قَالَ: وَالسَّدِيدُ أَنْ يُقَالَ: الْمُحْكَمُ: السَّدِيدُ النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ الَّذِي يُفْضِي إلَى إثَارَةِ الْمَعَانِي، الْمُسْتَقِيمُ مِنْ غَيْرِ مُنَافٍ. وَالْمُتَشَابِهُ: هُوَ الَّذِي لَا يُحِيطُ الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ إلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ أَمَارَةٌ أَوْ قَرِينَةٌ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْمُشْتَرَكُ كَالْقُرْءِ. وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ الْمُحْكَمَ هُوَ الْوَاضِحُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ إشْكَالٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِحْكَامِ، وَهُوَ الْإِتْقَانُ، وَالْمُتَشَابِهُ نَقِيضُهُ، فَيَدْخُلُ فِي الْمُحْكَمِ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ، وَفِي الْمُتَشَابِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَرَكَةُ كَالْقُرْءِ وَاللَّمْسِ وَمَا يُوهِمُ التَّشْبِيهَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحُرُوفُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، إذْ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً بِاصْطِلَاحٍ سَابِقٍ، فَتُوهِمُ الْإِشْكَالَ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا تَوْقِيفٌ فَيُتَّبَعُ، بَلْ نَقُولُ فِيهَا: كَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَقْصُودُ هَذَا الْبَحْثِ: أَنَّ مُحْكَمَ الْقُرْآنِ يُعْمَلُ بِهِ وَالْمُتَشَابِهُ يُؤْمَنُ بِهِ وَيُوقَفُ فِي تَأْوِيلِهِ إنْ لَمْ يُعِبْهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: اخْتَلَفُوا فِي إدْرَاكِ عِلْمِ الْمُتَشَابِهِ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ كَالْحَارِثِ وَالْقَلَانِسِيِّ: إنَّهُ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute