للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ اسْتَأْثَرَهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، بَلْ وَقَفَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْرَدَ هَذَا مَدْحًا لِلْعُلَمَاءِ فَلَوْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهُ لَشَارَكُوا الْعَامَّةَ وَبَطَلَ مَدْحُهُمْ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي " التَّقْرِيبِ " وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: ١] قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنَّ الْكِتَابَ كُلَّهُ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ وَبُيِّنَتْ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَبَيْنَهُمَا مُتَشَابِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ النَّاسِ يَعْلَمُهَا وَهُمْ الرَّاسِخُونَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالظَّاهِرُ الْوَقْفُ عَلَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧] ، لِأَنَّ الْخِطَابَ بِمَا لَا يُفْهَمُ بَعِيدٌ.

قُلْت: وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْمَعَالِي شَيَّدَ لَهُ فِي كِتَابِ " الْبُرْهَانِ " عَنْ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ وَالنُّحَاةِ، وَاخْتَارَهُ.

قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهَذَا عَكْسُ حِكَايَةِ الْأُسْتَاذِ وَالْبَغَوِيِّ لَكِنْ حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ قَالَ: وَاخْتَارَهُ الْعَيْنِيُّ قَالَ: وَقَدْ كَانَ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ السُّنَّةِ لَكِنَّهُ سَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَلَا غَرْوَ فَلِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ، وَلِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوَةٌ. قَالَ: وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَلَا أَعْلَمُ تَحَقُّقَهُ.

وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى مَعَانِي الْحُرُوفِ: الْوَقْفُ التَّامُّ عَلَى قَوْلِهِ: " إلَّا اللَّهُ " ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالرَّاسِخِينَ، وَتَوَسَّطَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: الْقَوْلَانِ مُحْتَمِلَانِ وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُتَشَابِهِ مَا لَا يَعْلَمُ، وَيَكُونُ الْغَرَضُ مِنْهُ الْإِيمَانَ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>