وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ " مَذْهَبٌ رَابِعٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ: الْقُرْآنُ الْمَنْقُولُ بِالْآحَادِ إمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ الْإِعْجَازُ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ جَازَ أَنْ يُعْمَلَ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ عَمَلٍ إذَا نُقِلَ إلَيْنَا بِالْآحَادِ، كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " مُتَتَابِعَاتٍ " وَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ حُجَّةٌ لِلنُّبُوَّةِ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُعَارَضْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَعَ سَمَاعِ أَهْلِ عَصْرِهِ لَهُ، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا وَقَدْ تَوَاتَرَ نَقْلُ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُوجِبُ عِلْمًا وَلَا عَمَلًا، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَجَعَلَ الْقُرْطُبِيُّ شَارِحُ مُسْلِمٍ " مَحَلَّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الرَّاوِي بِسَمَاعِهَا وَقَطَعَ بِعَدَمِ حُجِّيَّتِهَا.
قَالَ: فَأَمَّا لَوْ صَرَّحَ الرَّاوِي بِسَمَاعِهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاخْتَلَفَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْعَمَلِ بِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَوْلَى الِاحْتِجَاجُ بِهَا تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ.
[التَّنْبِيهُ] الثَّانِي
أَنَّ هَاهُنَا سُؤَالًا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا حُجَّةٌ فَهَلَّا أَوْجَبَ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ اعْتِمَادًا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " مُتَتَابِعَاتٍ " وَهَلَّا قَالَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى: إنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ اعْتِمَادًا عَلَى قِرَاءَةِ عَائِشَةَ: " وَصَلَاةِ الْعَصْرِ "؟ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فَكَيْفَ اعْتَمَدَ فِي التَّحْرِيمِ فِي الرَّضَاعِ بِخَمْسٍ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ؟ وَكَيْفَ قَالَ: إنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ؟ وَاعْتَمَدَ فِي الْأُمِّ " عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ: " لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ " وَاَلَّذِي يَفْصِلُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنْ لَا يُطْلَقَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، بَلْ يُقَالُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ وَرَدَتْ لِبَيَانِ حُكْمٍ أَوْ لِابْتِدَائِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute