أَخْذِ الْأَسَامِي قِيَاسًا، فَقَالَ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ ابْنَ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ رَجُلًا كَبِيرًا فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتَّهَمُ فِي دِينِهِ فَقَالَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأَسَامِي قِيَاسًا إذَا كَانَ مِمَّا يُقَاسُ عَلَيْهِ، فَمِمَّا أُخِذَ وَاشْتُقَّ اسْمُهُ مِنْ مَعْنًى فِيهِ مِثْلَ الْقَارُورَةِ تُسَمَّى قَارُورَةً، لِاسْتِقْرَارِ الْمَاءِ فِيهَا، فَلِكُلِّ مَا فِي مَعْنَاهَا يَكُونُ قَارُورَةً.
قِيلَ: وَأَيْشِ يَقُولُ فِي الْجُبِّ يَسْتَقِرُّ الْمَاءُ فِيهِ؟ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى قَارُورَةً؟ قَالَ: نَعَمْ.
قِيلَ: فَمَا تَقُولُ فِي الْبَحْرِ وَالْحَوْضِ؟ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ، وَرَكَّبَ الْبَابَ كُلَّهُ. فَاسْتَبْشَعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ. فَقُلْت لِأَبِي الْحُسَيْنِ: أَيْشٍ إذَا أَخْطَأَ وَاحِدٌ فِي الْقِيَاسِ؟ بَلْ كَانَ مِنْ سَبِيلِهِ أَنْ يَحْتَرِزَ فِيهِ بِنَوْعٍ مِنْ الِاحْتِرَازِ بِأَنْ يَقُولَ: مَا يَسْتَقِرُّ الْمَاءُ فِيهِ وَيَخِفُّ عَلَى الْيَدِ وَنَحْوُهُ وَحَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ: قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ: الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا فِي الْوُقُوعِ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ ": الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ إثْبَاتِ الْأَسَامِي شَرْعًا، وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا لُغَةً، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَيُخَرَّجُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ، وَيَمْتَنِعُ فِيمَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَجَازًا احْتَجَّ الْمَانِعُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ: إلْحَاقُ مَسْكُوتٍ عَنْهُ بِمَنْطُوقٍ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ فِي اللُّغَةِ، لِأَنَّ الْفَرْعَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ لُغَتِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ إلْحَاقُهُ بِمَا نَطَقَتْ بِهِ، فَهُوَ وَضْعٌ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَتِهِمْ، فَلَا يَكُونُ مِنْ لُغَتِهِمْ.
وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الِاشْتِقَاقِ وَالنَّحْوِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ النَّحْوِيَّ تَصَرُّفٌ فِي أَحْوَالِ الْكَلِمِ فَلَيْسَ وَضْعًا مُسْتَأْنَفًا بِخِلَافِ وَضْعِ ذَوَاتِ الْكَلِمِ، وَالْأَقْيِسَةُ النَّحْوِيَّةُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute