للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ إمَّا مَنْطُوقٌ بِعَيْنِهِ أَوْ بِنَظِيرِهِ، وَمِنْ مُهِمَّاتِ هَذَا الْأَصْلِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ إلْحَاقُ النَّبِيذِ بِالْخَمْرِ فِي الِاسْمِ حَتَّى يُحْكَمَ بِتَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِالْقِيَاسِ اللُّغَوِيِّ، فَنَحْنُ نَحْكُمُ بِتَحْرِيمِ قَلِيلِ النَّبِيذِ تَمَسُّكًا بِأَصْلِ الِاسْمِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهِ خَمْرًا، كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَهَمَتْ الْعَرَبُ مِنْهَا تَحْرِيمَ النَّبِيذِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ أَقْوَامًا أَرَاقُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ النَّبِيذِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا اسْتِفْسَارٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ لُغَتِهِمْ وَاصْطِلَاحِهِمْ. ثُمَّ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَعَانِي الدَّائِرَةِ مَعَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا وُجُودًا وَعَدَمًا كَالْخَمْرِ اسْمٌ لِلْمُسْكِرِ الْمُعْتَصِرِ مِنْ الْعِنَبِ، لِيَصِحَّ الْإِلْحَاقُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وُضِعَ اسْمُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. أَمَّا الْأَعْلَامُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلَا يَجْرِي فِيهَا وِفَاقًا.

قَالَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ " وَالْمَازِرِيُّ.

قَالَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهَا غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ فَهِيَ كَالْمَنْصُوصِ لَا تُعَلَّلُ.

قَالَ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ الصَّادِرَةِ فِي مَعَانٍ مَعْقُولَةٍ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَى، وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ دُونَ الْجَوَامِدِ وَأَسْمَاءِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ، وَنَازَعَهُ الْمُقْتَرِحُ بِأَنَّ الْمُشْتَقَّةَ قَدْ نُقِلَ عَنْهَا فِي الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ طَرَدُوا فِيهِ الِاشْتِقَاقَ، وَقِسْمٌ: مَنَعُوهُ فِيهِ، وَقِسْمٌ: لَمْ يُعْلَمْ هَلْ طَرَدُوهُ أَوْ مَنَعُوهُ.

قَالَ: وَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ: أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا نِزَاعٌ، لِأَنَّا إذَا عَلِمْنَا الِاشْتِقَاقَ كَانَ هَذَا مَأْخُوذًا مِنْ اللَّفْظِ لَا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ عَلِمْنَا الْمَنْعَ مِنْ طَرْدِ الِاشْتِقَاقِ امْتَنَعَ الْقِيَاسُ لِئَلَّا يُلْتَحَقَ بِلُغَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهَا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّا إذَا شَكَكْنَا فِي أَنَّهُمْ أَجَازُوا الِاطِّرَادَ أَوْ مَنَعُوهُ فَتَعَيَّنَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا السَّمْعُ، وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا عَنْ الْعَرَبِ مَنْعٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>