للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِيَاسِ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مَصْدَرٍ نُقِلَ بِالِاتِّفَاقِ، إذْ هُوَ فِي حُكْمِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْدِيلُ الْعِبَارَاتِ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ كَتَسْمِيَةِ الْفَرَسِ دَارًا، وَالدَّارِ فَرَسًا. وَمَحَلُّ النِّزَاعِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى عِبَارَةٍ تُشِيرُ إلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ حَائِدٌ عَنْ نَهْجِ الْقِيَاسِ كَقَوْلِهِمْ لِلْخَمْرِ: خَمْرٌ لِأَنَّهُ يُخَامِرُ الْعَقْلَ، فَهَلْ يُقَاسُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ؟ جَوَّزَهُ الْأُسْتَاذُ، وَالْمُخْتَارُ: مَنْعُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي. اهـ.

وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: الْقِيَاسُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى عِلَّةٍ، وَالْأَسْمَاءُ لَا قِيَاسَ لَهَا، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ كَالْحَدِّ لِلشَّيْءِ وَالْعِلْمِ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يَصْلُحُ الْجَرْيُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ قَصْدُ الْقَصْرِ أَوْ التَّعَدِّيَةِ كَتَسْمِيَةِ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَمْرًا مِنْ الْمُخَامَرَةِ أَوْ التَّخْمِيرِ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ "، أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ الْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ بِالْقِيَاسِ اللُّغَوِيِّ جَائِزٌ إذَا كَانَ الِاسْمُ اسْمَ مَعْنًى، وَكَانَ الْقِيَاسُ مَأْذُونًا فِيهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ كَالِاشْتِقَاقِ، أَمَّا هَلْ يَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ أَوْ لَا؟ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَذَهَبَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ إلَى الْجَوَازِ فَأَثْبَتُوا لِنَبِيذِ التَّمْرِ اسْمَ الْخَمْرِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، ثُمَّ أَوْجَبُوا الْحَدَّ بِشُرْبِهِ، وَأَثْبَتُوا لِفِعْلِ اللِّوَاطِ اسْمَ الزِّنَى بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، ثُمَّ أَوْجَبُوا حَدَّ الزِّنَى فِيهِمَا بِالنَّصِّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اخْتِرَاعُ أَلْفَاظٍ مُبْتَكَرَةٍ بِالْقِيَاسِ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مِمَّا لَمْ يَضَعُوا لَهُ اسْمًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ فِي وَقْتِهِمْ، فَلَنَا أَنْ نُسَمِّيَهُ.

قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَقَالَ مَنْ جَوَّزَ أَخْذَ الْأَسَامِي قِيَاسًا: إنَّا نَقِيسُ مَا لَمْ نَعْرِفْهُ فَنَعْزِيهِ إلَى مَا يُشْبِهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ بِأَصْلِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>