[تَنْبِيهَاتٌ] الْأَوَّلُ قَدْ تَقَرَّرَ مِنْ جَعْلِ التَّغْيِيرِ مِنْ أَرْكَانِ الِاشْتِقَاقِ وُجُودُ التَّغْيِيرِ فِي كُلِّ مُشْتَقٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ، وَقَدْ نَجِدُ أَفْعَالًا مِنْ مَصَادِرَ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ ظَاهِرٍ فِيهَا، كَطَلَبَ مِنْ الطَّلَبِ، وَغَلَبَ مِنْ الْغَلَبِ، وَجَلَبَ مِنْ الْجَلَبِ، فَإِنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِمَصَادِرِهَا فِي الْحُرُوفِ وَالصِّيَغِ بِلَا تَفَاوُتٍ مَعَ اشْتِقَاقِهَا مِنْهَا، وَذَلِكَ: يَقْدَحُ فِي كَوْنِ التَّغْيِيرِ رُكْنًا لِلِاشْتِقَاقِ، لِامْتِنَاعِ تَحَقُّقِ الشَّيْءِ بِدُونِ رُكْنِهِ، وَحَلُّهُ: أَنَّ التَّغْيِيرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا ظَاهِرًا لَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ، كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.
وَأَجَابَ رَضِيُّ الدِّينِ بْنُ جَعْفَرٍ بِأَنَّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ فِي الِاشْتِقَاقِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا تَغْيِيرًا، إذْ الِاشْتِقَاقُ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِيغَةِ الْمَصْدَرِ بُنِيَ عَلَيْهَا وَحَرَكَةُ الْإِعْرَابِ طَارِئَةٌ عَلَى الصِّيغَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا مُنْتَقِلَةٌ غَيْرُ قَادِرَةٍ، وَأَمَّا حَرَكَةُ الْبِنَاءِ فِي آخِرِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فَإِنَّهَا لِثَبَاتِهَا وَلُزُومِهَا وَبِنَاءِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهَا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ صَارَتْ دَاخِلَةً فِي صِيغَةِ الْفِعْلِ جَارِيَةً مَجْرَى حَرَكَةِ أَوَّلِهِ وَحَشْوِهِ فَاعْتُدَّ بِهَا فِي الِاشْتِقَاقِ، وَجُعِلَ التَّغْيِيرُ بِهَا زِيَادَةً وَنُقْصَانًا، وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَدُّوا بِحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ، وَاعْتَدُّوا بِحَرَكَةِ الْبِنَاءِ، وَجُعِلَ التَّغْيِيرُ بِهَا زِيَادَةً وَنُقْصَانًا.
مِثَالُ الزِّيَادَةِ: طَلَبَ مِنْ الطَّلَبِ، لِأَنَّهُمْ مَثَّلُوهُ لِزِيَادَةِ الْحَرَكَةِ، فَإِنَّ طَلَبَ اُعْتُدَّ بِحَرَكَةِ الْبَاءِ فِي آخِرِهِ زِيَادَةً لِكَوْنِهَا حَرَكَةَ بِنَاءٍ، وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِالْحَرَكَةِ الَّتِي فِي آخِرِ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الطَّلَبُ لِكَوْنِهَا حَرَكَةَ إعْرَابٍ.
وَمِثَالُ النُّقْصَانِ: حَذِرٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ حَذِرَ، نَقَصَ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ حَرَكَةُ الْبِنَاءِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْفِعْلِ فَقَدْ يَظُنُّ ظَانٍّ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ التَّغْيِيرَ اللَّاحِقَ لِلْمُشْتَقِّ اسْتَلْزَمَ حُصُولَ التَّغْيِيرِ فِي كُلِّ مُشْتَقٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ مَعَ أَنَّهُ نَحْنُ نَجِدُ أَفْعَالًا مَأْخُوذَةً مِنْ الْمَصَادِرِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ ظَاهِرٍ فِيهَا، كَطَلَبَ، مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute