للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: ٢] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: ٣٨] وَقَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشِّرْكِ وَنَحْوِهَا حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا، وَلَمْ يُقْصَدْ بِالزَّانِي إلَّا مَنْ اُتُّصِفَ بِالزِّنَى حِينَ زِنَاهُ، وَكَذَلِكَ بَاقِيهَا.

الثَّانِي: إطْلَاقُهُ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَجَازٌ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيُّ: وَإِنَّمَا الْوَهْمُ سَرَى لِلْقَرَافِيِّ قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمَاضِيَ وَالْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ بِحَسَبِ زَمَنِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ، فَحَصَلَ بِذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ الْإِشْكَالِ، وَلَا يُنْجِيهِ مَا أَجَابَ بِهِ، وَالْقَاعِدَةُ صَحِيحَةٌ فِي نَفْسِهَا وَلَكِنْ لَمْ يَفْهَمُوهَا حَقَّ فَهْمِهَا قَالَ: وَهَاهُنَا أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَنَحْوَهُمَا إنَّمَا دَلَّ عَلَى شَخْصٍ مُتَّصِفٍ بِالْمَصْدَرِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، فَضَارِبٌ مَدْلُولُهُ شَخْصٌ مُتَّصِفٌ بِضَرْبٍ صَادِرٍ مِنْهُ، وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ لِزَمَانٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا، وَإِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الزَّمَانِ الْأَعَمُّ مِنْ الْحَالِ فَلَأَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى الْحَالِ الْأَخَصُّ مِنْهُ أَوْلَى، فَكَيْفَ يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ؟ وَأَعْنِي بِالْحَالِ هُنَا زَمَنَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنَّمَا الْتَبَسَ عَلَى بَعْضِ الْمُبْتَدِئِينَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ يَفْهَمُونَ مِنْ قَوْلِنَا: زَيْدٌ ضَارِبٌ أَنَّهُ ضَارِبٌ فِي الْحَالِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا لِدَلَالَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَيْهِ.

وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّك تَقُولُ: هَذَا حَجَرٌ، وَتُرِيدُ إنْسَانًا فَيُفْهَمُ مِنْهُ الْحَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>