للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَزَعَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّأْكِيدِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَيَنْبَغِي فِيهِ شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: الِاحْتِيَاطُ بِإِيصَالِ الْكَلَامِ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ إنْ فُرِضَ ذُهُولٌ أَوْ غَفْلَةٌ.

وَالثَّانِي: إيضَاحُ الْقَصْدِ إلَى الْكَلَامِ وَالْإِشْعَارِ بِأَنَّ لِسَانَهُ لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ، وَيُمَثِّلُهُ النَّحْوِيُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} [الفجر: ٢١] {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢٢] وَجَعْلُهُمْ صَفًّا صَفًّا تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا مَرْدُودٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْكِيدٍ قَطْعًا بَلْ هُوَ تَأْسِيسٌ، وَالْمُرَادُ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ، وَدَكًّا بَعْدَ دَكٍّ، وَكَذَلِكَ أَلْفَاظُهُ إذَا كُرِّرَتْ فَكُلٌّ مِنْهَا بِنَاءٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِمْ.

وَالْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمُفْرَدِ كَالنَّفْسِ وَالْعَيْنِ وَجَمْعَاءَ وَكَتْعَاءَ، أَوْ بِالِاثْنَيْنِ كَكِلَا وَكِلْتَا، أَوْ بِالْجَمْعِ كَكُلِّ وَأَجْمَعِينَ، وَجَمْعٍ وَكَتْعٍ. وَكُلُّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِلتَّجَزُّؤِ، وَالنَّفْسُ وَالْعَيْنُ لِلْمُتَشَخِّصِ غَيْرِ الْمُتَجَزِّئِ، وَإِمَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِالْجُمَلِ كَكَأَنَّ وَإِنَّ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَفَائِدَتُهُ: تَمْكِينُ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَرَفْعُ التَّجَاوُزَاتِ الْمُتَوَهَّمَةِ، فَإِنَّ التَّجَوُّزَ يَقَعُ فِي اللُّغَةِ كَثِيرًا فَيُطْلَقُ الشَّيْءُ عَلَى أَسْبَابِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: وَرَدَ الْبَرْدُ إذَا وَرَدَتْ أَسْبَابُهُ، وَيُطْلَقُ اسْمُ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ نَحْوُ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] قَيَّدَ بِالْكَمَالِ لِيَخْرُجَ احْتِمَالُ تَوَهُّمِ بَعْضِ الْحَوْلِ الثَّانِي، وَالتَّوْكِيدُ يُحَقِّقُ أَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ رَافِعًا لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ فِي نَحْوِ: قَامَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَلِلْمَجَازِ فِي نَحْوِ، جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، فَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ، فَكَيْفَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّقْوِيَةُ؟

قُلْت: إنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْفُوعَ تَارَةً يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَرَدَّدًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>