للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: قَامَ زَيْدٌ زَيْدٌ، فَإِنَّمَا يُفِيدُ تَقْرِيرَ الْكَلَامِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ، لَا رَفْعَ التَّجَوُّزِ.

وَحَكَى الرُّمَّانِيُّ فِي " شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ السَّرَّاجِ "، الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} [هود: ١٠٨] : مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ التَّمْكِينِ، وَقَدْ يَكُونُ لِرَفْعِ الْمَجَازِ، إذْ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ: هُمْ فِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِي غَيْرِهَا، فَأُزِيلَ هَذَا بِالتَّأْكِيدِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي يَدْخُلُونَهَا مُخَلَّدُونَ فِيهَا، وَلَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا إلَى جَنَّةٍ أُخْرَى

الثَّالِثُ: أَنَّ التَّوْكِيدَ اللَّفْظِيَّ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ مَرَّتَيْنِ كَقَوْلِهِ: أَلَا حَبَّذَا حَبَّذَا حَبَّذَا، وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَذَكَرُوا أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا تَجْتَمِعُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا أَثْقَلُ لِاتِّحَادِ اللَّفْظِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: اتَّفَقَ الْأُدَبَاءُ عَلَى أَنَّ التَّأْكِيدَ إذَا وَقَعَ بِالتَّكْرَارِ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ يَعْنِي بِالْأَصْلِ، وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ التَّأْكِيدُ بِمَرَّتَيْنِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى فِي الْمُرْسَلَاتِ: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: ١٥] أَيْ بِهَذَا، فَلَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، فَلَا تَأْكِيدَ، وَكَذَلِكَ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] وَنَحْوُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي " شَرْحِ الْكَافِيَةِ "، لَمْ تَتَجَاوَزْ الْعَرَبُ فِي تَأْكِيدِ الْأَفْعَالِ ثَلَاثًا كَمَا فَعَلُوا فِي تَأْكِيدِ الْأَسْمَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: ١٧] فَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثَةٍ: مَهِّلْ وَأَمْهِلْ وَرُوَيْدٍ، وَكُلُّهَا لِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ يُكَرِّرُونَ الْفِعْلَ مَعَ تَأْكِيدِهِ بِالنُّونِ خَفِيفَةً وَلَا شَدِيدَةً، لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ مَعَ الْخَفِيفَةِ مَرَّتَيْنِ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَمَعَ الشَّدِيدَةِ كَالتَّلَفُّظِ بِهِ سِتَّ مَرَّاتٍ. اهـ. لَكِنْ فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْإِتْبَاعِ أَنَّهُ سَمِعَ خَمْسَةً مَعَ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ فِي الْمَعْنَى، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ: كَانَتْ عَادَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكَرِّرَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ يَعِظُ بِهِ، وَيَنْصَحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>