الِاشْتِرَاكُ، وَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ أَهْمَلَهُ الْأُصُولِيُّونَ، وَهُوَ اتِّفَاقُ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافُ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهُوَ بَابُ الْأَضْدَادِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْخَشَّابِ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ: الضِّدُّ مَعْنَاهُ: الْمِلْءُ، يُقَالُ: ضَدَدْت الْإِنَاءَ أَضُدُّهُ ضَدًّا: إذَا مَلَأْتُهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الضِّدَّيْنِ يَشْغَلُهُ الْحَيِّزُ عَنْ الْآخَرِ قَدْ مُلِئَ دُونَهُ، قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ اللُّغَوِيُّونَ فِيهَا كُتُبًا كَالْأَصْمَعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَحْسَنُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيُّ، وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ ثَعْلَبٍ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَذْهَبِهِ.
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ اللَّفْظَةَ الْوَاحِدَةَ تَقَعُ لِلشَّيْءِ وَخِلَافِهِ، كَوَجَدْت اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى غَضِبْتُ، وَبِمَعْنَى حَزِنْتُ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ جَازَ وُقُوعُهَا لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ، لِكَوْنِ الضِّدِّ ضَرْبًا مِنْ الْخِلَافِ. انْتَهَى. هَكَذَا نَسَبَ ابْنُ الْخَشَّابِ الْجَوَازَ لِلْأَكْثَرِينَ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي كِتَابِ " إفْسَادِ الْأَضْدَادِ ": ذَهَبَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ الْمَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمْ. وَاَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ شَيْخَا الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرَّدِ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ ثَعْلَبٍ دَفْعُ أَنْ تَكُونَ الْعَرَبُ وَضَعَتْ اسْمًا وَاحِدًا لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ إلَّا مَا وَضَعَتْ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ نَحْوَ " لَوْنٍ " فَإِنَّهُ لِمَعْنًى يَنْطَلِقُ عَلَى السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ.
وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي: إنَّ الْأَضْدَادَ وَاقِعَةٌ فِي اللُّغَةِ، لَكِنْ تَتَدَاخَلُ اللُّغَاتُ لَا أَنَّهَا اجْتَمَعَتْ عَلَى وَضْعِهَا قَبِيلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بَلْ قَبَائِلُ ثُمَّ فَشَتْ اللُّغَاتُ، وَتَدَاخَلَتْ بِالْمُلَاقَاةِ وَالْمُجَاوَرَةِ، فَنُقِلَتْ إلَى كُلٍّ لُغَةُ صَاحِبِهِ.
وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّوَاطُؤِ، فَيَقُولُ فِي " الصَّرِيمِ ": إنَّمَا سُمِّيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ صَرِيمًا لِانْصِرَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَالضَّوْءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute