وَالظُّلْمَةُ إنَّمَا سُمِّيَا " سُدْفَةً " مِنْ قَوْلِك: أَنَا فِي سُدْفِك أَيْ مُسْتَتِرٌ بِك، وَهَذَا فِي الظُّلْمَةِ وَاضِحٌ، وَفِي الضَّوْءِ لِأَنَّهَا تُقَالُ فِي الظُّلْمَةِ الَّتِي يُخَالِطُهَا مُقَدِّمَةُ ضَوْءٍ. وَتَقُولُ فِي مِثْلِ " الْجَلَلِ ": إنَّهُ الْعَظِيمُ بِحَقِّ الْإِثْبَاتِ وَعَلَى الصَّغِيرِ بِالسَّلْبِ، كَقَوْلِهِمْ: ب، وَنَائِمٌ، وَأَعْجَمْتُ الْكِتَابَ، وَرَجُلٌ مُبَطَّنٌ أَيْ خَمِيصُ الْبَطْنِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ اجْتِمَاعُ الْأَضْدَادِ فِي الشِّعْرِ إيطَاءً.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ الْإِشْبِيلِيُّ تِلْمِيذُ الشَّلَوْبِينَ: الْحَقُّ أَنَّ التَّضَادَّ فِي اللُّغَةِ مَوْجُودٌ عَلَى مَا صَوَّرْته مِنْ التَّدَاخُلِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ دُونَ تَدَاخُلٍ، وَلَكِنْ بِتَوَاضُعٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ بِحَسَبِ قَصْدَيْنِ أَوْ وَقْتَيْنِ وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ يَقْصِدَ الْوَاضِعُ وَضْعَ لَفْظٍ لِمَعْنَيَيْنِ ضِدَّيْنِ أَوْ غَيْرَيْنِ مُلْتَبِسًا لِذَلِكَ غَيْرَ مُبَيِّنٍ لَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وَضْعَ اللُّغَةِ وَيُبْطِلُ حِكْمَةَ الْمُخَاطَبَةِ.
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي " الْمُخَصَّصِ ": أَمَّا فِي اتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قَصْدًا فِي الْوَضْعِ وَلَا أَصْلًا، لَكِنَّهُ مِنْ تَدَاخُلِ اللُّغَاتِ، أَوْ يَكُونُ لَفْظُهُ يُسْتَعْمَلُ لِمَعْنًى، ثُمَّ يُسْتَعَارُ لِشَيْءٍ، فَيَكْثُرُ وَيَغْلِبُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ.
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَكَانَ أَحَدُ شُيُوخِنَا يُنْكِرُ الْأَضْدَادَ الَّتِي حَكَاهَا أَهْلُ اللُّغَةِ، وَأَنْ تَكُونَ لَفْظَةً لِشَيْءٍ وَضِدِّهِ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إنْكَارُهُ لِذَلِكَ مِنْ حُجَّةٍ سَمَاعًا أَوْ قِيَاسًا، فَلَا حُجَّةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ، بَلْ الْحُجَّةُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فِي الْمُرَادِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ كَأَبِي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ حَكَوْا ذَلِكَ وَصَنَّفُوا فِيهِ الْكُتُبَ، فَإِنْ قَالَ: الْحُجَّةُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الضِّدَّ بِخِلَافِ ضِدِّهِ، فَإِذَا اشْتَرَكَتَا فِي لَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يَخُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِلَفْظٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ أَلْبَسَ وَأَشْكَلَ، فَصَارَ الضِّدُّ شَكْلًا وَالشَّكْلُ ضِدًّا، وَهَذَا إلْبَاسٌ. قِيلَ لَهُ: هَلْ يَجُوزُ عِنْدَك أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute