الِاعْتِزَالِ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِمَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، أَيْ جَعَلُوا الْفِسْقَ مَنْزِلَةً مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ، وَالْفَاسِقُ مُوَحِّدٌ وَمُصَدِّقٌ، فَقَالُوا: هَذِهِ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ، وَنُقِلَ فِي الشَّرْعِ إلَى مَنْ يَرْتَكِبُ شَيْئًا مِنْ الْمَعَاصِي. فَمَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْهَا خَرَجَ عَنْ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَبْلُغْ الْكُفْرَ، ثُمَّ أَجَازَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَبْقَى عَلَى مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ، وَأَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَنْقُولَةٌ، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ النَّقْلِ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقُومُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَ الْإِيمَانَ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى الشَّرْعِيِّ بِأَنَّهُ نَقَلَ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ وَنَحْوَهُمَا إلَى مَعَانٍ أُخْرَى قَالَ: فَمَا بَالُ الْإِيمَانِ؟ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْإِيمَانِ، وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ فِي ظُهُورِ الِاعْتِزَالِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِنَقْلِ الْأَسَامِي لَا يُفْضِي إلَى تَفْسِيقِ الصَّحَابَةِ، وَلَا إلَى خُرُوجِ الْفَاسِقِ إلَى الْإِيمَانِ، وَعِنْدَهُمْ يُفْضِي إلَى ذَلِكَ
الْبَحْثُ التَّاسِعُ: أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا وَهُوَ أَصْلُهُ أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَاسِطَةٌ وَهُوَ الْفِسْقُ أَمْ لَا؟ فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُثْبِتُونَهُ، وَأَثْبَتَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ قَائِلِينَ بِأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute