للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَافِرٍ، أَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَلِأَنَّ الْإِيمَانَ فِعْلُ الْوَاجِبِ الَّذِي مِنْهُ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الشَّهَوَاتِ، وَقَدْ أَخَلَّ بِهِ فَرَأَوْا أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَعَ مِنْ الشَّرْعِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَعْنًى لَمْ تُرِدْهُ الْعَرَبُ، وَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ ظَوَاهِرَ الْأَحَادِيثِ النَّافِيَةِ لِلْإِيمَانِ عَنْ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ، نَحْوَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ التَّصْدِيقِ. وَأَمَّا الْأَشْعَرِيَّةُ فَيُؤَوِّلُونَهُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ وَغَيْرِهِ، وَمَنَعُوا كَوْنَ الشَّرْعِ غَيْرَ اللُّغَةِ، بَلْ التَّصْدِيقُ بَاقٍ فِيهِ، وَقَالُوا: صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ مُطِيعٌ بِإِيمَانِهِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَسْمَاءِ الْفَرْعِيَّةِ، كَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا بَاطِلَةٌ قَالَ: إنَّهُ مَا أَتَى بِمَا يُسَمَّى صَلَاةً فِي اللُّغَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] وَمَنْ صَحَّحَهَا قَالَ: دُعَاءُ الشَّرْعِ غَيْرُ دُعَاءِ اللُّغَةِ، وَكَذَا الْبَاقِي. وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ فِي الْمَعَالِمِ " عَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاعِدَةَ: أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ، فَيَنْبَغِي إذَا انْتَفَى الْعَمَلُ أَنْ يَنْتَفِيَ الْإِيمَانُ، قَالَ: وَهُوَ سُؤَالٌ صَعْبٌ، وَلِأَجْلِهِ طَرَدَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مَذْهَبَهُمْ فَسَلَبُوا الْإِيمَانَ عَنْهُ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الشُّبْهَةَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي كِتَابِ تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ " وَأَجَابَ عَنْهَا: بِأَنَّ لِلْإِيمَانِ أَصْلًا مَتَى نَقَصَ عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَقَوْلُهُ: يَنْقُصُ لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ، وَلَكِنْ يَزْدَادُ بَعْدُ إيمَانًا إلَى إيمَانِهِ، فَإِنْ نَقَصَتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي بَعْدَ الْأَصْلِ لَمْ يَنْقُصْ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، وَذَلِكَ كَنَخْلَةٍ تَامَّةٍ ذَاتِ أَغْصَانٍ وَوَرَقٍ، فَكُلَّمَا قُطِعَ مِنْهَا غُصْنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>