كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الشَّرْعِيَّةِ، إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلَامِ الشَّارِعِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِيَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ لَا حَاجَةَ لَهُمْ فِيهَا إلَى الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْحَقَائِقِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي " فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا هَلْ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ إلَّا بِالشَّرْعِ، أَوْ هُوَ ظَاهِرٌ قَبْلَ وُرُودِ الْبَيَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَبَنَوْا عَلَيْهِمَا أَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ هَلْ جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ كَمَا جَاءَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ، أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَالشَّرْعُ اخْتَصَّ بِبَيَانِ الْأَحْكَامِ؟ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: إنَّ الشَّرْعَ أَحْدَثَ الِاسْمَ كَالْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي قَالَ: إنَّ الِاسْمَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْبَيَانُ مِنْ الشَّرْعِ. وَقَالَ أَيْضًا: اخْتَلَفُوا فِي اسْمِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ هَلْ جَاءَ بِبَيَانِ الشَّرْعِ كَمَا جَاءَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ، كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَالشَّرْعُ اخْتَصَّ بِبَيَانِ الْحُكْمِ؟ عَلَى ثَلَاثِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَحْدَثُ الْأَسْمَاءِ شَرْعًا كَالْأَحْكَامِ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ مُجْمَلٌ، فَجَعَلَهُ مُسْتَحْدَثًا بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ مُخْتَصٌّ بِوُرُودِ الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا الْأَسْمَاءُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ لَوْ وَرَدَتْ شَرْعًا لَصَارُوا مُخَاطَبِينَ بِمَا لَيْسَ مِنْ لُغَتِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ بِمُجْمَلَةٍ. وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَافَّةِ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّهَا أَسْمَاءٌ قَدْ كَانَ لَهَا فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَكَانَ حَقِيقَتُهَا مَا نَقَلَهَا الشَّرْعُ عَنْهُ، وَمَجَازُهَا مَا قَرَّرَهَا الشَّرْعُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْحَقِيقَةِ، فَعَلَى هَذَا سُمِّيَتْ صَلَاةً لِمَا تَضَمَّنَتْ مِنْ الدُّعَاءِ هُوَ مُسَمًّى فِي اللُّغَةِ صَلَاةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute