فَاَللَّهُ - تَعَالَى - لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْصِيَةِ، أَوْ مِنْ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ} [الكهف: ٢٩] فَإِنَّ السِّيَاقَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: ٢٩] يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَرِينَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ الْقَرِينَةُ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِ الْمَجَازِ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَيَانِيِّينَ أَوْ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ، وَهُوَ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ؟ .
وَأَمَّا الْعَلَاقَةُ فَلَا بُدَّ فِي التَّجَوُّزِ مِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاشْتِرَاكِ فِي أَمْرٍ مَا، وَإِلَّا لَجَازَ إطْلَاقُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا عَدَاهُ، فَجِنْسُ الْعَلَاقَةِ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَشَخْصُهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا رَأَيْنَاهُمْ أَطْلَقُوا الشُّجَاعَ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إطْلَاقِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَنْوَاعِ، أَيْ: إذَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا اسْمَ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ يَكْفِينَا هَذَا فِي إطْلَاقِ كُلِّ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومِهِ؟ أَوْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ إطْلَاقِ اللَّوَازِمِ عَلَى الْمَلْزُومَاتِ مِنْ السَّمَاعِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ اللَّازِمِ بِعَيْنِهِ وَاللُّزُومِ بِعَيْنِهِ. وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُكْتَفَى بِالْعَلَاقَةِ الَّتِي نَظَرَ الْعَرَبُ إلَيْهَا كَإِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ أَوْ لَا يَتَعَدَّى عَلَاقَةَ السَّبَبِ إلَى عَلَاقَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ سَاوَتْهَا مَا لَمْ تَفْعَلْ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ هَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمْعِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَضْعُ أَمْ لَا؟ فَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ، فَهُوَ يُجَوِّزُ إطْلَاقَ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ لِاسْتِعْمَالِهِمْ مَا هُوَ نَظِيرُهُ أَوْ دُونَهُ، وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " وَالرَّازِيَّ وَغَيْرُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute