أَهْلُ اللُّغَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ، وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ هَلْ لَهُ عُمُومٌ أَمْ لَا؟ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ امْتِنَاعَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا وَعَارِيَّةً. ثُمَّ حَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَبَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْمَجَازِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُسْتَعَارِ مِنْهُ وَالْمُسْتَعَارِ لَهُ اشْتِرَاكٌ فِي الْمَعْنَى، وَذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الْمُسْتَعَارِ مِنْهُ أَبْلَغُ وَأَبْيَنُ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الرُّمَّانِيُّ.
قَالَ: وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَقِيقَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، لَهَا وَالْمَيْلُ إلَى الْمَجَازِ فِيهِ نَوْعُ إيهَامٍ وَتَلْبِيسٍ، لَا يَجُوزُ إلَّا لِفَائِدَةٍ لَا تُوجَدُ فِي الْحَقِيقَةِ. قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤] مَعْنَاهُ امْتَثِلْ بِمَا تُؤْمَرُ، فَقَدْ اسْتَعَارَ قَوْلَهُ: " اصْدَعْ " مَكَانَ، قَوْلِهِ: " امْتَثِلْ " وَالصَّدْعُ هُوَ الشَّقُّ، وَالِامْتِثَالُ هُوَ التَّأْثِيرُ فَإِنَّ الشَّقَّ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الشُّقُوقِ، وَالِامْتِثَالُ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ إلَّا أَنَّ تَأْثِيرَ الشَّقِّ فِي الشُّقُوقِ أَبْيَنُ مِنْ تَأْثِيرِ الِامْتِثَالِ فِي الْمُمْتَثَلِ، فَكَانَ فِي الْمَجَازِ زِيَادَةُ بَيَانٍ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِلشُّجَاعِ مِنْ النَّاسِ: أَسَدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الشَّجَاعَةُ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَسَدِ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ أَشْجَعُ الْحَيَوَانِ، وَكَذَا اسْتِعَارَةُ الْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ. وَزَعَمَ عَلِيٌّ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جَعْلُ لَفْظِ الطَّلَاقِ كِنَايَةً عَنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَبْلَغُ فِي الْإِزَالَةِ وَالطَّلَاقُ دُونَهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ الَّذِي هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute