السُّؤَالَ لِتَرْكِيبِ لَفْظَةٍ مَعَ لَفْظَةٍ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْإِجَابَةِ، فَحَيْثُ رَكَّبَتْهُ مَعَ مَا لَا يَصْلُحُ، فَقَدْ عَدَلَتْ عَنْ التَّرْكِيبِ الْأَصْلِيِّ إلَى تَرْكِيبٍ آخَرَ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ إلَّا هَذَا، وَكَذَلِكَ حُرُوفُ الزِّيَادَةِ وَضَعَتْهَا لِتُرَكِّبَهَا مَعَ مَعْنًى، فَإِذَا رَكَّبَتْهَا لَا مَعَ مَعْنًى، فَهُوَ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ.
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْمَذْكُورِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَيِّرُ حُكْمَ إعْرَابِهِ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ مَعَ ذِكْرِ الْأَهْلِ مَجْرُورَةٌ، وَعِنْدَ حَذْفِهَا مَنْصُوبَةٌ، وَكَذَلِكَ " مِثْلِ " مَجْرُورَةٌ بِزِيَادَةِ الْكَافِ، وَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْأَصْلِ النَّصْبَ، فَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَجَازُ فِي الْجَرِّ وَالنَّصْبِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَيَانِ، وَشَرَطُوا فِي مَجَازِ الْحَذْفِ أَنْ يَتَغَيَّرَ حُكْمُ إعْرَابِ الْكَلِمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَذْفٌ، وَمِثَالُهُ: قَوْله تَعَالَى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: ٩٦] فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ إعْرَابِهِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا. الثَّانِي: أَنَّ تَعْرِيفَ الْمَجَازِ الْإِفْرَادِيِّ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُلْحَظْ لَك؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] مَوْضُوعٌ لِسُؤَالِهَا مُسْتَعْمَلٌ فِي سُؤَالِ أَهْلِهَا، فَكَانَ مَجَازًا، وَلَيْسَ هُوَ مَجَازًا فِي التَّرْكِيبِ، فَإِنَّ مَجَازَ التَّرْكِيبِ مِثْلُ قَوْلِك: أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضُوعِهِ، فَمُقْتَضَاهُ إسْنَادُ الْإِثْبَاتِ إلَى الرَّبِيعِ، وَلَكِنَّا عَلِمْنَا بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ أَنَّ اللَّفْظَةَ الزَّائِدَةَ وَحْدَهَا أَوْ النَّاقِصَةَ وَحْدَهَا مَجَازٌ، وَلَا نَعْنِي بِمَجَازِ التَّرْكِيبِ إلَّا إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا جَاءَ الْمَجَازُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كَافِرٍ يَعْتَقِدُ حَقِيقَتَهُ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute