وَاحْتَجَّ الْمُنْكِرُ بِأَنَّ الْمُسْنَدَ وَالْمُسْنَدَ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَا فِي مَوْضُوعِهِمَا فَيَكُونُ الِاسْتِعْمَالُ حَقِيقِيًّا، أَوْ يُسْتَعْمَلَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ فَالْإِسْنَادُ لِلْمَعْنَى لَا لِلَّفْظِ، فَاللَّفْظُ مَجَازٌ، وَالْإِسْنَادُ حَقِيقَةٌ، وَإِسْنَادُ مَدْلُولِ الْمَجَازِ لِمَدْلُولِ الْمَجَازِ أَوْ لِمَدْلُولِ الْحَقِيقَةِ حَقِيقَةٌ. مِثَالُهُ: أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك. فَالْإِحْيَاءُ مَجَازٌ أَوْ عَنْ السُّرُورِ وَالِاكْتِحَالُ مَجَازٌ عَنْ الرُّؤْيَةِ، وَإِسْنَادُ السُّرُورِ إلَى الرُّؤْيَةِ حَقِيقَةٌ، فَالْإِسْنَادُ دَائِمًا لِلْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى نِسْبَةُ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ. وَأَجَابَ الْقَرَافِيُّ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّا فِي مَجَازِ التَّرْكِيبِ لَا نُلَاحِظُ الْمَعْنَى أَصْلًا، بَلْ مُجَرَّدُ اللَّفْظِ هَلْ وُضِعَ لِيُرَكَّبَ مَعَ هَذَا اللَّفْظِ أَوْ لَا؟ فَمَا وُضِعَ لِيُرَكَّبَ مَعَ اللَّفْظِ فَهُوَ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ. ثَانِيهِمَا: أَنَّ السُّؤَالَ مُغَالَطَةٌ؛ لِأَنَّا ادَّعَيْنَا أَنَّ تَرْكِيبَ لَفْظِ الْإِحْيَاءِ مَعَ لَفْظِ الِاكْتِحَالِ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ، وَأَنْتُمْ أَثْبَتُّمْ تَرْكِيبَ لَفْظِ السُّرُورِ مَعَ الرُّؤْيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ. اهـ.
قِيلَ: وَهُمَا فَاسِدَانِ، أَمَّا قَوْلُهُ فِي مَجَازِ التَّرْكِيبِ لَا نُلَاحِظُ الْمَعْنَى فَمَمْنُوعٌ، وَأَيُّ مَجَازٍ لَا يُلَاحَظُ فِيهِ الْمَعْنَى؟ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ وَالْمَجَازُ بِنَوْعَيْهِ شَرْطُهُ الْعَلَاقَةُ، وَهِيَ مَعْنًى؟ وَأَمَّا الثَّانِي: فَنَقُولُ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَرْكِيبِ لَفْظِ الْإِحْيَاءِ وَالِاكْتِحَالِ، وَلَفْظِ السُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ؟ وَكُلُّ مَا ثَبَتَ لِلشَّيْءِ ثَبَتَ لِمُسَاوِيهِ وَالْإِحْيَاءُ وَالِاكْتِحَالُ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مُسَاوِيَانِ لِلسُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ. وَمِمَّنْ أَنْكَرَ مَجَازَ التَّرْكِيبِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَبِيرِ " وَ " أَمَالِيهِ " وَاسْتَبْعَدَهُ فِي " الصَّغِيرِ " وَرَدَّ عَلَى عَبْدِ الْقَاهِرِ فِي قَوْلِهِ فِي نَحْوِ: أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ. قَالَ مَا مَعْنَاهُ:؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ وَالْحَقِيقَةَ مُعْتَوِرَانِ شَيْئًا بِحَسَبِ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَالْأَسَدِ يَكُونُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute