بِاعْتِبَارِ الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَالرَّجُلِ الشُّجَاعِ، وَأَمَّا إسْنَادُ الْإِحْيَاءِ إلَى الِاكْتِحَالِ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَحْدَهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا فِي التَّرْكِيبِ، وَلِعَبْدِ الْقَاهِرِ أَنْ يَقُولَ: نَظِيرُ الْأَسَدِ إنْ أَخَذْت الْإِحْيَاءَ مُسْنَدًا إلَى شَيْءٍ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةٌ يُسْنَدُ فِيهَا إلَى مَا هُوَ لَهُ، وَجِهَةٌ يُنْسَبُ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ، وَإِنْ أَخَذْت الْإِحْيَاءَ، بِقَيْدِ إسْنَادِهِ إلَى الِاكْتِحَالِ، فَنَظِيرُهُ الْأَسَدُ بِقَيْدِ إرَادَةِ الرَّجُلِ الشُّجَاعِ، لَيْسَ لَهُ إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمَجَازَ فِي التَّرْكِيبِ مِثْلُ: أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّك إذَا رَدَدْت الْمُفْرَدَاتِ إلَى مَا هِيَ مَجَازٌ عَنْهُ لَمْ يَبْقَ فِي التَّرْكِيبِ مَجَازٌ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَطَرِيقُ رَدِّهَا إلَى مَا هِيَ مَجَازٌ عَنْهُ أَنَّ أَحْيَانِي مَجَازٌ عَنْ سَرَّنِي، وَاكْتِحَالِي مَجَازٌ عَنْ رُؤْيَتِي، وَطَلْعَتُك مَجَازٌ عَنْ وَجْهِك، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَجَازُ فِي التَّرْكِيبِ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَحْيَا الْأَرْضَ شَبَابُ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّكَ وَإِنْ رَدَدْت الْمُفْرَدَاتِ إلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بَقِيَ الْمَجَازُ فِي الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَهَا فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ لَيْسَ فِي جَوَازِهِ وَلَا فِي وُقُوعِهِ بِدَلِيلِ الْأَمْثِلَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ عَقْلِيًّا أَوْ لُغَوِيًّا، أَيْ: فِي أَنَّ الْقَوْلَ فِي هَذَا الْمَجَازِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ عَقْلِيٌّ أَوْ لَفْظٌ وَضْعِيٌّ؟ وَسَنَذْكُرُهُ، وَقَدْ عَكَسَ أَبُو الْمُطَرِّفِ بْنُ عَمِيرَةَ فِي كِتَابِ " الشُّبُهَاتِ " قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَالَ: الْمَجَازُ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي التَّرْكِيبِ وَلَا يَكُونُ فِي الْمُفْرَدِ. نَعَمْ، عِنْدَ التَّعْلِيمِ بِالْمِثَالِ قَدْ يُجَاءُ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ فَيُقَالُ، كَمَا يُقَالُ لِلشُّجَاعِ: هُوَ أَسَدٌ، وَلِلْبَلِيدِ: هُوَ حِمَارٌ، وَالنَّحْوِيُّ يَقُولُ: إعْرَابُ الْفَاعِلِ الرَّفْعُ وَالْمَفْعُولِ النَّصْبُ، كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute