قَالَ بَعْضُ شَارِحِي " الْمَحْصُولِ ": إنَّمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ فِي الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْمَجَازَ عِنْدَهُ مَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، فَمَا ذَكَرَهُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْخَذُهُ فِي هَذَا عَدَمَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثِ، بَلْ جَعَلَ الْكُلَّ مَجَازًا؛ إذْ يَصْدُقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَقَالَ بَعْضُ نُفَاةِ الْمَجَازِ: تَصَوُّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُحَالٌ؛ إذْ يَسْتَحِيلُ وَضْعُ سَابِقٍ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ ثُمَّ يَطْرَأُ الِاسْتِعْمَالُ فَصَارَ بِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا، وَلَا يُعْرَفُ تَجَرُّدُ اللَّفْظِ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ، وَإِنَّ تَجَرُّدَهُ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ كَتَجَرُّدِ الْحَرَكَةِ عَنْ الْمُتَحَرِّكِ. نَعَمْ إنَّمَا يَتَجَرَّدُ، وَهِيَ حِينَئِذٍ لَيْسَتْ لَفْظًا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى تَقْدِيرِ أَلْفَاظٍ لَا حُكْمَ لَهَا، وَثُبُوتُهَا فِي الرَّسْمِ مَسْبُوقٌ بِالنُّطْقِ بِهَا، فَإِنَّ الْخَطَّ يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. قَالُوا: وَيَسْتَلْزِمُ أَمْرًا فَاسِدًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَجَرَّدَ الْوَضْعُ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ جَازَ أَنْ يُوضَعَ لِلْمَعْنَى الثَّانِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ فَيَكُونَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْقَائِلِينَ: إنَّ الْأَعْلَامَ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ نَحْوُ قَوْلِنَا: أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزَيْدٌ زُهَيْرٌ شِعْرًا، وَهَذَا لَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي أَنَّ الْعَلَمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَدْلُولِهِ لَيْسَ بِمَجَازٍ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْعَلَمَ فِي غَيْرِ مَدْلُولِهِ كَاسْتِعْمَالِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَبِي يُوسُفَ وَاسْتِعْمَالِ زُهَيْرٍ فِي زَيْدٍ، وَكَذَلِكَ اشْتَرَيْت سِيبَوَيْهِ وَتُرِيدُ كِتَابَهُ، فَقَدْ يُقَالُ: كَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْمَجَازُ فِيهِ غَيْرُ الْعَلَمِ؟ وَالْعَلَمُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْمَجَازُ نَاشِئًا عَنْهُ؟ وَأَجَابَ التَّبْرِيزِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى " الْمَحْصُولِ " بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَرَجَتْ عَنْ الْعَلَمِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute