لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ. يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَلِمَ الْوَضْعَ وَسَمِعَ اللَّفْظَ بَادَرَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ. وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا: لِأَجْلِ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ عَمَّا إذَا بَدَرَ الْفَهْمُ إلَى الْمَعْنَى لِأَجْلِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الْوَضْعِ كَقَرَائِنَ احْتَفَتْ بِهِ أَوْ غَلَبَةِ اسْتِعْمَالٍ لَا تَنْتَهِي إلَى كَوْنِ اللَّفْظِ مَنْقُولًا إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَرُبَّمَا يَتَبَادَرُ الْفَهْمُ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِهِ، وَيَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَتَبَادَرْ الْفَهْمُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَحْضُرْ السَّامِعَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَا تَكُونُ الْمُبَادَرَةُ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دَلِيلًا عَلَى اخْتِصَاصِ الْحَقِيقَةِ بِهِ. قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ إيرَادُ مَنْ أَوْرَدَ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الْعَلَامَةِ، الْمَجَازَ الْمَنْقُولَ وَالْمَجَازَ الرَّاجِحَ، وَعَلَى عَكْسِهَا الْمُشْتَرَكُ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولَاتِهِ مَعَ عَدَمِ التَّبَادُرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ إنَّمَا يَتَبَادَرُ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَجَازًا، وَأَمَّا الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فَنَادِرٌ، وَالتَّبَادُرُ فِي الْأَغْلَبِ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي الْحَقِيقَةِ، وَتَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ لَا يَقْدَحُ فِيهِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَالتَّعْرِيفُ بِالْعَلَامَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْعِكَاسُ. وَمِنْهَا. عَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَى الْقَرِينَةِ، وَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرَكُ حَقِيقَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لِعَارِضِ الِاشْتِرَاكِ لَا لِذَاتِهِ. وَمِنْ خَوَاصِّ الْمَجَازِ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ تَعَلُّقُهُ بِهِ؛ إذْ الِاسْتِحَالَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لَهُ، فَيَكُونَ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] أَيْ: أَهْلَهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ. وَاسْتَشْكَلَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِالْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ نَحْوُ {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: ٢] فَإِنَّهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَجَازًا لُغَوِيًّا، فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute