أَرَادَ بِاسْتِحَالَةِ التَّعَلُّقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَبَاطِلٌ. قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ لُغَوِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي الْمَعْنَى الْمَنْسِيِّ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى لَهُ أَفْرَادٌ فَيَتْرُكُ أَهْلُ الْعُرْفِ اسْتِعْمَالَهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَفْرَادِ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مَنْسِيًّا، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَنْسِيِّ، فَيَكُونُ مَجَازًا عُرْفِيًّا كَالدَّابَّةِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ فَتَرَكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ اسْتِعْمَالَهَا فِي الْحِمَارِ بِحَيْثُ نُسِيَ، فَإِطْلَاقُهَا عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ.
وَمِنْهَا: صِحَّةُ نَفْيِ اللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، كَتَسْمِيَةِ الْجَدِّ أَبًا. حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ فِي أُصُولِهِ " عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَكَقَوْلِك: لِلْبَلِيدِ لَيْسَ بِحِمَارٍ. وَقُلْنَا: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلْبَلِيدِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، فَقَدْ نَفَيْت الْحَقِيقَةَ لَكِنْ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهَذَا بِعَكْسِ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ عَلَامَتَهَا عَدَمُ صِحَّةِ النَّفْيِ؛ إذْ لَا يُقَالُ لِلْبَلِيدِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ عِنْدَ قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ وَتَشْبِيهِهِ بِالْحِمَارِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: ١٣] .
وَمِنْهَا: أَنَّ الْحَقِيقَةَ يَجِبُ اطِّرَادُهَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا مَعْنَاهَا إلَّا لِمَانِعٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّا إذَا سَمَّيْنَا إنْسَانًا بِضَارِبٍ لِوُقُوعِ الضَّرْبِ مِنْهُ أَوْ مَحَلًّا بِأَنَّهُ أَسْوَدُ لِحُلُولِ السَّوَادِ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يُسَمَّى كُلُّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الضَّرْبُ بِأَنَّهُ ضَارِبٌ، وَكُلُّ مَنْ مَاحَلَهُ السَّوَادُ وَاتَّصَفَ بِهِ بِأَنَّهُ أَسْوَدُ، وَإِلَّا لَانْتَقَضَ قَوْلُنَا: إنَّهُ سُمِّيَ ضَارِبًا لِوُقُوعِ الضَّرْبِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمَجَازِ. فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ اطِّرَادُهُ، بَلْ يُقَرُّ حَيْثُ وَرَدَ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا اسْتَعْمَلَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فِيهِ أَوْ فِي نَظِيرِهِ، فَكَمَا يُسْتَدَلُّ بِالِاطِّرَادِ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ الِاطِّرَادِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute