للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْغَيْرِ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ لَهُ تَعَلُّقٌ فَيَكُونُ مَجَازًا فِيهِ، كَالْقُدْرَةِ إذَا أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ الْمَقْدُورُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَقْدُورُ كَإِطْلَاقِهَا عَلَى النَّبَاتِ الْحَسَنِ الْعَجِيبِ كَمَا تَقُولُ لِمَنْ تُنَبِّهُهُ عَلَى حُسْنِ النَّبَاتِ: اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ أَيْ: إلَى مَقْدُورِهِ وَهُوَ النَّبَاتُ هُنَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَعَلِّقٌ؛ إذْ النَّبَاتُ لَا مَقْدُورَ لَهُ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِيهَا وَيَكُونَ لَهُ بِحَسَبِ إحْدَى حَقِيقَتَيْهِ مُتَعَلِّقٌ دُونَ الْأُخْرَى. وَرَدَّهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ عَدَمَ التَّعَلُّقِ فِي الْمَجَازِ هُنَا لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْمَجَازِ، بَلْ لِأَنَّهُ نُقِلَ إلَى النَّبَاتِ وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُ، فَلَوْ نُقِلَ إلَى شَيْءٍ لَهُ مُتَعَلِّقٌ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ عَلَى الْإِرَادَةِ قُدْرَةً مَجَازًا لَكَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُؤَكَّدُ بِالْمَصْدَرِ وَبِأَسْمَاءِ التَّوْكِيدِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ، فَإِنَّهُ لَا يُوَكَّدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَتَمَدَّحَ بِذِكْرِهِ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ الْفُرُوقِ الْمَغْفُولِ عَنْهَا. قُلْت: قَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " قَالَ، فَلَا يَقُولُونَ: أَرَادَ الْجِدَارَ إرَادَةً وَلَا قَالَتْ الشَّمْسُ وَطَلَعَتْ قَوْلًا، وَكَذَلِكَ وُرُودُ الْكَلَامِ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ. قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] حَقِيقَةً لَا عَلَى مَعْنَى التَّكْوِينِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ حَيْثُ أَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤] يُفِيدُ الْحَقِيقَةَ، وَأَنَّهُ أَسْمَعَهُ كَلَامَهُ وَكَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ لَا كَلَامًا قَامَ بِغَيْرِهِ. اهـ.

وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ التَّأْكِيدَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَرْفَعُ التَّجَوُّزَ عَنْ الْحَدِيثِ لَا عَنْ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ، فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةُ تَكْلِيمِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَك أَنْ تُورِدَ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>