وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُجْمَلُ، وَنَحْوُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَنَّيْت وَكَنَوْتُ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي لَأَكْنُو عَنْ قُدُورٍ بِغَيْرِهَا ... وَأُعْرِبُ أَحْيَانًا بِهَا وَأُصَارِحُ
وَعِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ: أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى شَيْءٍ لُغَةً، وَيُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ لِمُلَازَمَةٍ بَيْنَهُمَا خَاصَّةٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ إمَّا قُبْحُ ذِكْرِ الصَّرِيحِ نَحْوُ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] أَوْ إخْفَاءُ الْمُكَنَّى عَنْهُ عَنْ السَّامِعِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ الْكِنَايَةُ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: مَجَازٌ. وَكَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ يَقْتَضِيهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْكَشَّافِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ} [البقرة: ٢٣٥] الْكِنَايَةُ: أَنْ يَذْكَرَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالتَّعْرِيضُ: أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَكَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ الْبَيَانِيِّينَ يَقْتَضِي أَنَّهَا حَقِيقَةٌ. وَوَقَعَ فِي كَلَامِ السَّكَّاكِيِّ أَيْضًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا مَعْنَاهَا وَحْدَهُ، أَوْ مَعْنَاهَا وَغَيْرُ مَعْنَاهَا مَعًا، وَالْأَوَّلُ الْحَقِيقَةُ فِي الْمُفْرَدِ، وَالثَّانِي الْمَجَازُ فِي الْمُفْرَدِ، وَالثَّالِثُ: الْكِنَايَةُ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَرَادَ هُنَا بِالْحَقِيقَةِ التَّصْرِيحَ بِهَا بِقَرِينَةِ جَعْلِهَا فِي مُقَابَلَةِ الْكِنَايَةِ. وَتَصْرِيحُهُ فِيمَا بَعْدُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْكِنَايَةَ يَشْتَرِكَانِ فِي كَوْنِهِمَا حَقِيقَتَيْنِ، وَيَفْتَرِقَانِ بِالتَّصْرِيحِ وَعَدَمِهِ. وَجَزَمَ الْجَاجَرْمِيُّ فِي رِسَالَتِهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَجَازِ،؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَالْكِنَايَةُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَوْضُوعِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ مَعْنًى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute