للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَانٍ، فَإِذَا قُلْت: فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ، فَإِنَّك تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ حَقِيقَةَ طُولِ النِّجَادِ دَلِيلًا عَلَى طُولِ الْقَامَةِ، فَقَدْ اسْتَعْمَلْت اللَّفْظَ فِي مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ لَكِنَّ غَرَضَك مَعْنًى ثَانٍ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ، وَهُوَ طُولُ الْقَامَةِ، وَإِذَا شُرِطَ فِي الْكِنَايَةِ اعْتِبَارُ الْمَوْضُوعِ الْأَصْلِيِّ لَمْ تَكُنْ مَجَازًا. وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت لِزَوْجَتِك: أَنْتِ بَائِنٌ، فَقَدْ اسْتَعْمَلْت لَفْظَ الْبَيْنُونَةِ فِي مَوْضُوعِهَا الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ انْقِطَاعُ الْوَصْلَةِ غَيْرَ أَنَّ مَقْصُودَك الطَّلَاقُ، وَلِهَذَا قَالُوا: تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْكِنَايَةِ، وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْمَجَازِ. اهـ.

وَفِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ، وَهُوَ فِيهِ مُتَابِعٌ لِلْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي نِهَايَةِ " الْإِيجَازِ ": وَاللَّفْظَةُ إذَا أُطْلِقَتْ وَكَانَ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ، غَيْرَ مَعْنَاهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا مَقْصُودًا أَيْضًا لِيَكُونَ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ الْغَرَضِ الْأَصْلِيِّ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْكِنَايَةُ، وَالثَّانِي هُوَ الْمَجَازُ، فَالْكِنَايَةُ كَقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ طَوِيلُ النِّجَادِ كَثِيرُ الرَّمَادِ، فَقَوْلُنَا: طَوِيلُ النِّجَادِ اُسْتُعْمِلَ لَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَصْلِيَّ مَعْنَاهُ بَلْ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ طُولِ الْقَامَةِ. قَالَ: وَلَيْسَتْ الْكِنَايَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمَقْصُودَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُعْتَبَرًا، وَإِذَا كَانَ مُعْتَبَرًا فِيمَا نُقِلَتْ اللَّفْظَةُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، فَلَا تَكُونُ مَجَازًا، فَإِذَا قُلْت: فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ فَإِنَّك تُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ حَقِيقَةَ كَثْرَةِ الرَّمَادِ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ جَوَادًا، فَأَنْتَ اسْتَعْمَلْت هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي مَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّةِ غَيْرَ مُنْكِرٍ أَنَّ فِي إفَادَةِ كَوْنِهِ كَثِيرَ الرَّمَادِ مَعْنًى ثَانِيًا يَلْزَمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْجُودُ، وَإِذَا وَجَبَ فِي الْكِنَايَةِ اعْتِبَارُ مَعَانِيهَا الْأَصْلِيَّةِ لَمْ تَكُنْ مَجَازًا. انْتَهَى.

وَيَشْهَدُ لِتَغَايُرِهِمَا مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إنَّ الْكِنَايَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ دُونَ الْقَرَائِنِ مَعَ أَنَّ الْمَجَازَ تُؤَثِّرُ فِيهِ الْقَرِينَةُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْكِنَايَةُ تَارَةً تَكُونُ حَقِيقَةً وَتَارَةً تَكُونُ مَجَازًا إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>